فإنه يقتل قصاصا لا على ارتداد، بل لو أمكن الاستيفاء لكن مع مشقة فإنه أيضا يقدم جانبه كما في حق المسافر فإنه أسقط عنه ركعتان [وتحتم الصوم]، وتحتم الوضوء وغيرها من رخص السفر مراعاة لحقه ومحافظة لتخصيص مصلحته من غير مشقة، وكذا في حق المريض فإنه لان أمكنه الصلاة قائما والصوم لكن مع نوع من المشقة الشديدة المذهلة عن سنن الصوم والصلاة، فإنه يجوز له الإفطار والصلاة قاعدًا، وبالجملة فمراعاة جانب العبد عند الازدحام وعند المشقة معلومة من استقراء الشرائع.
لأنا نقول: ما ذكرتم كله يدل على أن فروع الدين كلها مبنية على المساهلة والمسامحة ولا نهل فيه، ولا يدل ذلك على أن أصله كذلك بل كل ذلك إنما شرع كذلك لبقاء أصل الدين وحفظه فإنه لو بنيت على الشح والمضايقة ربما أفضى ذلك إلى عدم قبول أصل الدين، أو إلى الخروج عنه لعظم المشقة وعدم الطاقة بتكاليفه.
ثم كيف يقاس أصل الدين بفروعه مع اشتداد الشارع في أصله دون فروعه فإنه أباح الدماء والأموال، وجوز أسر الأولاد والأهل، وسوغ كل عقوبة ونكال في مفارقة أصله وعدم قبوله، ولم يرتب شيئا من ذلك على فروعه إلا القتل على ترك الصلاة على مذهب الشافعي - رضى الله عنه- على خلاف الأصل، ولهذا اضطربت الأقوال في أنه متى يقتل أبترك صلاة واحدة، أو بصلاتين، أو أكثر من ذلك؟ وعلى الأقوال كلها يشترط أن يستمر على امتناع قضائها، ثم أنا لا نسلم أن تقديم ما يوجب حفظ الدين إنما هو لكونه حقا لته تعالى فقط بل هو مراعاة لجانب العبد فإنه بفواته تفوته السعادة الأبدية والعصمة/ (٢٨٧/ أ) الدنياوية، والله سبحانه وتعالى لا يضره