وثانيها: أن يعرف من حال المخاطب أنه يعنى باللفظ ما يقتضيه ظاهره إن تجرد عق القرينة العينة، وإن كان معها قرينة مما تقتضيه القرينة؛ لأنه لولا ذلك لما حصل الوثوق بشيء من الأحكام، ولا بالخبر ولا بالوعد والوعيد، لجواز أن يقال: إنه عنى بالخطاب الذى يدل ظاهره على حكم أو خبر أو وعد أو وعيد غير ظاهره مع أنه لم ينبه عليه.
واختلفوا في طريق العلم إلى ذلك:
فقالت المعتزلة: إنما يعرف ذلك بحكمة المتكلم، أو بعصمته أما الأول فمبنى على أنه تعالى عالم بقبح القبيح وعالم بغنائه عنه، ومتى كان كذلك يستحيل منه فعله لعدم الداعي إليه.
وأما أصحابنا لما لم يقولوا بالتحسين والتقبيح العقلي لم يمكنهم بناء ذلك عليه بل قالوا: إنا وإن جوزنا ذلك من الله تعالى بناء أنه لم يقبح شيء من الله تعالى بل كل شيء منه، لكن مع ذلك بأنه لم يقع فإن حسن الشيء لا يقتضى وقوعه، وهذا كما أنا نجوز انقلاب ماء الأدوية دمًا عبيطًا، وانقلاب الأحجار ذهبًا إبريزًار، وتولد الإنسان الشيخ من الأبوين دفعة، ومع ذلك فإنا نقطع بأنه لا يقع فكذا ما نحن فيه، فإنا وإن جوزنا من الله تعالى كل شيء، لكن الله تعالى خلق فينا علمًا ضروريًا بأنه لا يعنى من هذه الألفاظ إلا ظواهرها، فلذلك آمنا من وقوع التلبيس.