وأما ثالثًا: فبالإجماع؛ إذ الإجماع منعقد على إطلاقه على من انتحل دينًا مخصوصًا سواء كان مقلدًا فيه، أو مجتهدًا، أو معاندًا.
ولا نسلم أنه إنما يصدق على من عرف الحق وستره؛ وهذا لأن ستر الشيء لا يتوقف على العلم به، ألا ترى أن من بسط ثوبًا في مكان وكان فيه شيء لم يبصره يقال: ستره بالثوب.
قوله: يجب تخصيصه.
قلنا: إنه خلاف الأصل.
وأما ما يذكرونه من الأدلة فسيأتي جوابه.
قوله: لعل متمسكهم في الاجتهاد أدلة ظنية.
قلنا: يستحيل ذلك عادة فإن كون كل الكفرة أطبقوا على التمسك بما يشبه الدليل الظني دون ما يشبه الدليل الذى يفيد العلم يستحيل عادة، ثم كون بعضهم بل أكثرهم جازمين بصحة ما هم عليه من الاعتقادات الفاسدة ينفى ذلك، وأيضًا: فلان ما ذكروه يقضي عدم توجه الذم إليهم على تقدير أن يكون اعتقادهم بناء على الشبهة التي توجب قوة تلك الاعتقادات الفاسدة وهو معلوم الفساد بالضرورة.
وثانيها: أنا نعلم بالضرورة أنه- عليه السلام- كان يكلف اليهود والنصارى وسائر أصناف الكفار بالأيمان به وبما أنزل اليه، وذمهم على ترك ذلك وإصرارهم على عقائدهم، وأباح قتلهم وأسرهم وأسر أولادهم ونسائهم، ورمى ديارهم بالنار والمنجنيق وغير ذلك من أنواع التنكيل والتعذيب من غير فصل بين المعاند والمجتهد والمقلد مع أنا نعلم بالضرورة أن كلهم ما كانوا معاندين بل المعاند أقلهم، وهذا لأن الأحبار منهم والقسيسين العارفين للكتاب