قلت: أما الدليل على أنه تعالى وضع على هذه المطالب أدلة قاطعة في الجملة أعنى بها على بعضها فإن ذلك هو المراد من قولنا: وضع على هذه المطالب أدلة قاطعة لا كلها هو: أنا إذا شاهدنا أن الشيء وجد بعد أن لم يكن علمنا قطعا أن له سببًا، فإن العلم بكون المحدث لا يوجد بلا محبب ضروري، ثم نعلم أن ذلك المحدث إن كان محدثًا افتقر إلى محدث فيتسلسل أو يدور، ثم علمنا بطلانهما بدليل قاطع علمنا قطعا انتهاء ذلك إلى محدث غير محدث فالعلم بان المحدث محدثًا غير محدث قطعي لابتنائه على مقدمات قطعية، وكون الخلق مختلفين في المطالب الأصولية لا يدل على عدم الدلالة القاطعة عليها، فإن الاختلاف واقع أيضًا في الحسيات والبديهيات، وكذلك كوننا لا نجد المخالفين مكابرين قائلين بما يقطع العقل بفساده لا يدل على ذلك لاحتمال أن ذلك بناء على شبهة وخيال قوي، ومن قال قولاً بناء على الشبهة القوية أو المخيلة لا يعد مكابرًا وقائلاً بما يقطع العقل بفساده في أول الوهلة.
وعن الثاني: أنا لم نحصر الخروج عن عهدة التكليف على العلم حتى يلزم ما ذكرتم من الحرج والعسر بل على أحد الأمرين وهو إما العلم، أو التقليد الجارم، ومعلوم أن ذلك سهل، وبه خروج الجواب محما ذكره من الوجهين على أن التكليف لا يجوز أن يكون بالعلم القطعي.
وأما الجواب عن قوله: فلم لا يجوز أن يقال: إنهم إنما أمروا بالاعتقاد الذى كلب على ظنهم صدقه سواء كان مطابقا أو لم يكن فهو: أن ذلك غير جائز