قوله: أن إحدى الأمارتين إما أن تكون راجحة على الأخرى أو لا تكون.
قلنا: تعنى به في نفس الأمر، أو في اعتقاد المجتهد؟
فإن/ (٣١٣/ أ) عنيت به الأول فممنوع، وهذا لأن الأدلة الظنية ليست أدلة لذواتها وصفات أنفسها حتى تكون في نفس الأمر إحداهما راجحة على الأخرى أو لا تكون.
ولئن سلم ذلك لكن إنما يلزم أن يكون أحد الاعتقادين خطا أن لو اعتقد كل واحد منهما أن أمارته راجحة على الأخرى في الخارج، فأما إذا لم يعتقد ذلك بل بالنسبة إلى اعتقاده فلا.
وإن عنيت به الثاني فمسلم لكن لا نسلم أن إحداهما إذا لم تكن راجحة على الأخرى كان كل من الاعتقادين خطأ؛ وهذا لأنه يحتمل حينئذ أن تكون كل واحد منهما راجحة على الأخرى في اعتقاد كل من المجتهدين، وحينئذ يكون الاعتقادان مطابقين لحصول الرجحان في أمارة كل واحد منهما في اعتقاده؛ وهذا لأن الأدلة الظنية مما تختلف باختلاف الظنون فهي أمور إضافية غير حقيقية فجاز أن يكون كل منهما راجحا عند صاحبه.
وأما ما أجاب به عن هذا، وهو: أن الرجحان في الذهن إما أن يكون نفس اعتقاد رجحانه في الخارج، أو أمرًا لا يثبت إلا معه لأنا نعلم بالضرورة أنا لو اعتقدنا في الشيء كون وجوده مساويًا لعدمه فمع هذا الاعتقاد يمتنع أن يكون اعتقاد وجوده راجحا على اعتقاد عدمه فضعيف.
أما أولاً: فلأنه لو كان الرجحان في الذهن نفس اعتقاده رجحانه في الخارج أو أمرًا لا ينفك عنه لما تصور وجوده بدونه لكنه يتصور فإن الإنسان قد يجزم برجحان الشيء في ذهنه مع عدم اعتقاد كونه راجحًا في الخارج، ولهذا