قلت: الدليل على أن الاكتفاء كان حاصلا بمجرد السؤال عن الحكم والجواب عنه من غير بيان وجه دلالة الدليل عليه: إجماعهم على عدم لوم العوام على تركهم السؤال عن وجه دلالة الدليل على الحكم وعدم ذكرهم ذلك عند الإفتاء مع علمهم بجهل المستفتي به، وكل ذلك معلوم قطعًا وإنكاره مكابرة، وتمام تقريره ما تقدم في تقريره إجماعهم على ذلك، وعند هذا نعرف أن الدليل الثالث لا يتم إلا بالدليل الثاني.
وعن الثاني أنا نقول: بمقتضى الدليل أيضًا في أصول الدين فإنه يجوز فيه التقليد أيضًا عندنا. سلمنا عدم جواز التقليد فيه، لكن الفرق بينهما حاصل من وجهين:
أحدهما: أن مطالبه معدودة محصورة غير متكررة وأدلتها في الأكثر قاطعة حاملة للطباع السليمة والعقول الصحيحة على اعتقاد مقتضاها بخلاف الأحكام الفرعية فإنها غير متناهية متجاوزة عن حد التعداد والإحصاء، وأدلتها ظنية مضطربة مختلفة بحسب الأذهان وليست دلالتها على نمط واحد فكان تحصيل رتبة الاستدلال والنظر فيها يحتاج إلى الانقطاع عن معاشر الأشغال والاشتغال بها، فكان تعطيل المصالح واختلال نظام العالم فيه أكثر.
وأيضًا: الذى يجب على المكلف معرفة أدلة وجود الصانع وتوحيده، والنبوة على طريق الجملة لا على طريق التفصيل، ومعرفة تلك الأدلة على سبيل الجملة أمر سهل هين يحصل بأدنى سعى وأقل مدة، بخلاف الاجتهاد في فروع الشريعة فإنه لابد فيه من علوم كثيرة، وتبحر شديد، واستحضار أصول كثيرة، وما ذكر الإمام فيه من القدح فهو مبني على الفرق بين العلم