وخامسها: أن الدليل ينفى قبول قول الغير من غير حجة وبينة، ترك العمل به في حق العامي لمسيس الحاجة فوجب أن يبقى في حق غيره على الأصل. وسادسها. أن جواز تقليد المجتهد للمجتهد حكم شرعي فلا بد له من الدليل، والأصل عدم ذلك الدليل فمن ادعى فعليه بيانه، والقياس على العامي لا يصلح أن يكون دليلاً لما تقدم من الفرق.
واحتج المجوزون بوجوه:
أحدها: قوله [تعالى]: {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون} والمجتهد قبل النظر لا يعلم فوجب أن يجوز له السؤال.
وجوابه: أنه يقتضى جواز التقليد بعد النظر والاجتهاد أيضًا ضرورة أنه لا يعلم حينئذ أيضًا.
سلمناه لكن المراد منه المقلدون بدليل قوله [تعالى]: {إن كمن لا تعلمون} وهو لا يصدق على المجتهد، ضرورة أنه عالم، ولا يخرج عن كونه عالمًا بان لا تكون المسالة حاضرة في فإنه مع التمكن من معرفتها من غير أن يتعلم من غيره، ولأن قوله:{فاسألوا أهل الذكر} ينفى أن يكون المجتهد منه مرادًا، لأن المجتهد من أهل الذكر؛ لأن أهل الشيء من أهل لذلك الشيء لا من حصل له ذلك، ولا شك أن المجتهد تأهل لذكر الشيء فيكون أهل/ (٣٢٥/ أ) الذكر فيكون مسئولاً لا سائلاً، ولأن ظاهر الآية يقتضى وجوب السؤال وهو غير ثابت في حق المجتهد إجماعًا، وإنما هو ثابت في حق العوام فيجب تخصيصه بهم لئلا يلزم الترك بالظاهر.