وروى أيضًا أن عمر- رضى الله عنه- رجع إلى قول على ومعاذ رضى الله عنهم- ولم ينكر عليه أحد من الصحابة فكان ذلك إجماعًا.
وجوابه: أن المراد من سيرة الشيخين: طريقتهما في العدل والانصاف، والانقياد للحق، والبعد عن حب الدنيا؛ لأنه المفهوم من السيرة، ولا يفهم من قولنا سيرة فلان ما أدى إليه اجتهاده، ولو سلم لكن يجب المصير إلى ما ذكرنا جمعًا بين الدليلين، ولئلا يلزم وجوب التقليد الذى هو مخالف للإجماع.
وخامسها: أن اجتهاد المجتهد لا يفيد إلا الظن، وإذا أفتاه مجتهد آخر فقد حصل له الظن أيضًا، والظن معول عليه في الشرعيات فكان اتباعه جائزًا وجوابه؛ أنه أضعف من ظن الاجتهاد وهو معلوم قطعًا، ولا يجوز العمل بالظن الضعيف مع القدرة على الظن القوى.
وسادسها. أن المجتهد إذا أدى اجتهاده إلى العمل بفتوى مجتهد آخر، لقد حصل له ظن أن حكم الله- تعالى ذلك وذلك يقتضى أن يحصل له ظن أنه لو لم يعمل له لاستحق العقاب فوجب أن يجب العمل به دفعًا للضرر المظنون
وجوابه: أن ما أدى إليه اجتهاد المجتهد من الظن إنما يعمل به إذا لم يقم دليل سمعي يصرف عنه، فأما بتقدير ذلك فلا، وها هنا قامت الدلائل السمعية وهى ما ذكرنا من الأدلة على الصوف عنه فوجب الامتناع من العمل بهذا الظن.
وسابعها: أنه حكم يسوغ فيه الاجتهاد، فجاز لمن لم يكن عالمًا له تقليد من علمه كالعامي بجامع حصول الظن بقول المفتي.