ثم القائلون بالاستحسان قد احتجوا عليه بوجوه فتذكر تلك الوجوه والجواب عنها جريًا على العادة وإن لم تتلخص بعد صورة النزاع ولم يتحقق، وإن كان ذلك بعيدًا عن التحقيق.
الأول: التمسك بقوله تعالى: {الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه}.
ووجه الاستدلال به: هو أنه ذكر ذلك في معرض الثناء والمدح لمن اتبع أحسن القول فلا يكون مباحًا؛ إذ لا مدح ولا ذم فيه فيكون اتباعه مأمورًا به، والاستحسان اتباع الأحسن فيكون مأمورًا به، وهو إما بطريق الندبية، أو بطريق الوجوب والأول باطل.
أما أولًا: فلأن كل ما جاز اتباعه من مدارك الأحكام فإنه يجب اتباعه عند عدم غيره.
وأما ثانيًا: فبالإجماع وتقريره غير خاف.
وجوابه: أنه ليس المراد منه المدح على اتباع كل ما يستحسنه السامع كيف ما كان، بل المراد منه: إما اتباع ما هو الأحسن في نفس الأمر، وما هو الأحسن عند السامع بناءً على طريق شرعي، فعلى هذا لا يكون الاستحسان مأمورًا به حتى يثبت كونه مأمورًا به دور.