أحدهما أن الله تعالى شرع الأحكام لمصالح العباد على ما تقدم تقريره في باب القياس، فلو فوض ذلك إلى اختيار العبد لم يأمن من اختياره المفسدة؛ لأن اختيار العبد متردد بين أن يكون مصلحة وبين أن يكون مفسدة وذلك مخل بمقصود الشرائع.
وجوابه: منع المقدمة الأولى، وقد تقدم ما في ذلك نفيًا وإثباتًا.
سلمناه لكنه لما قال له: لا تحكم إلا بالصواب أمنًا من اختيار المفسدة.
وثانيهما: أنه لو جاز هذا التكليف، فلا يخلو إما أن يجوز بناء على أن الفعل قبل اختياره ما كان مصلحة، وإنما صار كذلك باختيار المكلف، والقسمان باطلان فبطل القول بذلك.
وإنما قلنا: إنه لا يخلو عن الأمرين؛ لأن الأحكام مشروعة لمصالح العباد على ما تقدم تقريره فيستحيل أن يشرع حيث لا مصلحة قبل الفعل وعنده.
وإنما قلنا: إن القسمين باطلان؛ أما الأول فلوجوه:
أحدها: أنه إن جاز له الحكم على هذا الوجه في حادثة أو حادثتين، دون الحوادث الكثيرة لزم صرف الإجماع ضرورة أنه لا قائل بالفصل.
وإن جاز له ذلك في الحوادث الكثيرة فهو أيضًا باطل؛ لأنه يمتنع حصول الإصابة بالاتفاق في الأشياء الكثيرة؛ ولهذا لا يجوز أن يقال للأمي: اكتب