لأنا نقول: ترك مقتضى الدليل في بعض الصور لدليل أقوى منه لا يقدح فيه، وهذا وإن كان يلزم منه التعارض وهو خلاف الأصل، لكنه قد يصار إليه عند قيام الدلالة عليه.
ولقائل أن يقول: أنا نسلم أن قولنا: "مسحت يدي بالمنديل" لا يفيد التعميم في عرف الاستعمال، لكنه لقيام قرينه هي مقصودة "في" قوله تعالى: {وامسحوا برؤوسكم} وهي أن المقصود من الكلام مسح اليد بالمنديل فقط، إذ ليس الغرض متعلقا بكون المسح بكله أو ببعضه، وإذا حصل ذلك سواء كان ذلك بكل المنديل أو ببعضه فقد حصل تمام المقصود من الكلام، بخلاف قوله تعالى:{وامسحوا برؤوسكم} فإن من المعلوم أن الرأس ليس آلة المسح بل هو الممسوح و "الباء" التي كان يجب دخولها على الآلة، لما حذف ذكرها دخلت على الممسوح تنبيها على المحذوف، وتقدير الكلام والله أعلم، و "امسحوا بأيديكم رؤوسكم".
وعلى هذا التقدير يقول: لا يلزم من عدم إفادة القول بالتعميم فيما إذا دخلت "الباء" على الآلة مع كونها غير مقصودة بالمسح عدم إفادته التعميم فيما إذا دخلت على الممسوح مع كونه مقصودا منه.