ثم أنه مع شرفه وعلو مرتبته ورفعة مكانته قد أصبح مهجور الجناب، مغلوق الباب، قلما يغشاه أحد من أولى الألباب، لأن الدواعي قد فترت عن اكتسابه، وملت عن اقتنائه وتعطلت المدارس عن تعليمه وتعلمه. فدعاني ما في من الشوق إلى تحصيل الفضائل، والتجنب عن الرذائل، أن أصرف طرفا صالحا من العمر إلى تعلم هذا الفن المهجور واستعادة هذا النوع المغمور. فأقبلت على تحصيل أصوله، وجمع فروعه وشذوذه، وتتبع نصوصه وتفتيش فصوصه، فحصلت منه ما قدره لي منحة، واحتويت على ما يسره لي [منه] عطية لا أدعى أنه لب/ (٣/أ) الألباب، وعجب العجاب، فأكون كالمتصلف صورة، وإن لم أك ذاك حقيقة، بل فوضت فيه الأمر إليك لتعرف عند اطلاعك عليه. فإن المادح سلعته لا يفيد رواجها، ولا يحسنها في عين مبتغيها، ثم إني مع قصر باعي وضيق ضرعي وعزة مساعدي وكثرة عوائقي أردت تصنيف كتاب في هذا الفن مشتملا على المباحث الدقيقة والنكت اللطيفة، والأجوبة الشافية، والأسئلة القادحة، مع مراعاة الإنصاف في مواضع الاختلاف، وتجنب الاعتساف، لا لأني مهدي بالتصنيف المذكور إلى طلبة هذا الفن ما يعز وجوده، ولا يكاد يوجد مثله، بل لأغراض:-
أحدها: أن يجد الناظر فيه من زبد المباحث وتفاوت المكاسب مجموعا ما لم يجده في غيره كان متفرقا ومتبددا ليستغنى به عن غيره.