والصحيح أن القاضي إنما يقول بذلك: لو ثبت القول بصحة الإجماع على سقوط القضاء، فأما إذا لم يثبت ذلك، فلا يقول بسقوط القضاء لا بها ولا عندها.
احتج الجمهور على صحة ما ذهبوا إليه بوجوه:
أحدها: أنه لا نزاع في أنه يعتبر في استحالة اجتماع النفي والإثبات في القصة الواحدة اتحاد المحكوم عليه والمحكوم به، وهو غير متحقق فيما نحن فيه، لأن المحكوم عليه في قولنا:"الصلاة المؤداة في الدار المغصوبة واجبة وطاعة"، هو نفس الصلاة باعتبار كونها صلاة فقط، والمحكوم عليه في قولنا:"الصلاة في الدار المغصوبة محرمة ومعصية" ليس هو نفس الصلاة من حيث إنها صلاة، بل هو الصلاة باعتبار كونها مؤداة في الدار المغصوبة، فالمحكوم "عليه" في قضية الحرمة مجموع الأمرين من الفعل وصفته، والمحكوم عليه في قضية الوجوب هو نفس الفعل الذي هو الصلاة، ومعلوم أن المجموع الحاصل من الذات والصفة / (٩٢/ب) مغاير لكل واحد منهما، وإذا حصل التغاير في المحكوم عليه فلا استحالة في الحكم بالوجوب والحظر معا.
وثانيها: لا شك في أنه يحسن من السيد أن يقول لعبده: أوجبت عليك خياطة هذا الثوب، وحرمت عليك دخول هذه الدار واللبث فيها، فإن فعلت ما أوجبت عليك أثبتك، وإن فعلت ما حرمت عليك عاقبتك، وإن جمعت بينهما جمعت بين الثواب والعقاب، فإن جمع العبد بينهما يحسن للسيد أن