وقبل الخوض في تحرير دلالة الخصم، لابد من تلخيص محل النزاع ليقع الكلام على مجرى واحد.
واعلم أن إنكاره المباح يحتمل وجهين:-
أحدهما: وهو الذي أشعر به ظاهر ما نقل عنه، وهو أنه ليس فعل من أفعال المكلفين بمباح أصلا، سواء كان ذلك باعتبار الفعل أو غيره.
وهذا ظاهر الفساد غني عن الإفساد.
وثانيهما: وهو الذي أشعر به دليله، وهو أن كل فعل يوصف بأنه مباح باعتبار ذاته، فإنه واجب باعتبار أنه يترك به الحرام.
واستدل عليه بأنه ترك الحرام واجب، ولا يمكن تركه إلا بالتلبس بضد من أضداده، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، فالتلبس بضد من أضداده واجب، غير أن ذلك الضد غير متعين للوجوب قبل التلبس به، لكنه يصير متعينا لذلك بعد التلبس به، كما في الواجب المخير، ثم إذا فارق المكلف ذلك الضد، وتلبس بضد آخر، تعين ذلك للوجوب أيضا، لأن الانتهاء عن المحرم واجب دائما، فالتلبس بضد من أضداده واجب دائما، فبأي ضد تلبس به تعين ذلك الوجوب.
ولا يخفى عليك أن هذا الدليل يقتضي أن يكون الواجب واجبا باعتبارين:
أحدهما: باعتبار الذات.
وثانيهما: باعتبار الحرام.
وأن يكون كل واحد من المندوب والمكروه واجبا، بل يقتضي أن يكون