وثالثها: لو دل الأمر على الفور أو على التراخي، فإما أن يدل عليه بعموم ما يتضمنه من المصدر، أو بخصوص صيغته، وكل واحد منهما، إما بحسب المطابقة، أو التضمن، أو الالتزام، والقسمان باطلان فبطل دلالته عليه.
أما الأول: فلأنه لو كان كذلك لوجب أن يدل عليه جميع أمثلة الأفعال من الماضي والمضارع نحو تلك الدلالة، ضرورة تضمنه المصدر مثل تضمن الأمر لكنه باطل وفاقًا، فكذا ملزومة.
وأما الثاني: فلأن صيغة الأمر إنما تتميز عن سائر أمثلة الأفعال بكونها دالة على طلب الفعل بطريق الإنشاء، إما مع الاستعلاء أو مع العلو على ما عرفت ذلك في تحديده، ويؤكده ما نقل عن أهل اللغة أنه لا فرق بين "افعل" وبين "يفعل" إلا في كون الأول أمرًا والثاني خبرًا، ومفهوم الأمر هو ما ذكرناه، ومعلوم أنه ليس فيه ما يدل على الفور أو على التراخي، ولا هو مستلزم لأحدهما فلم تدل الصفة على أحدهما بأحد وجوه الدلالة، فظهر بطلان القسمين فبطل دلالته عليه.
ورابعها: أن صحة تقسيم الأمر المطلق، إلى الأمر بشيء على سبيل الفور، وإلى الأمر به على سبيل التراخي، معلوم من أهل اللغة، ولهذا لو قيل للغوي: ورد الأمر على وجه الفور، أو على وجه التراخي، لم تشمئز نفسه عن قبوله، ومورد التقسيم يجب أن يكون مشتركًا، فلو كان الأمر للفور أو التراخي، لما صح هذا التقسيم كما لا يصح تقسيم أمر الفور أو التراخي إليهما.
وخامسها: أنه يحسن من الآمر أن يقول للمأمور: افعل الفعل الفلاني في الحال أو في الغد، ولو كان الأمر للفور لكان الأول تكرارًا أو الثاني نقصًا.