أن التكليف طلب ما فيه كلفة، والطلب يستدعي مطلوبًا متصورًا في نفس الطالب، ضرورة أن طلب ما لا تصور له في النفس محال، وذلك المطلوب يجب أن يكون مفهومًا للمكلف بالاتفاق، فلا يجوز أن يؤمر باللفظ المهمل، ولا باللفظ الذي لا يعرف المأمور معناه، ولا متمكنًا من معرفته بالمراجعة، لأن الأمر خطاب مع المأمور وهو يعتمد الفهم والتمكن منه فيما ليس له مفهوم، أو إن كان لكن لا يتمكن المأمور من معرفته ليس خطابًا معه، وإنما اشترط ذلك ليكون منه الطاعة، فإن التكليف اقتضاء الطاعة، فإذا لم يكن في الفعل طاعة، إذا الطاعة بالامتثال، وهو غير متصور في المحال لم يكن اقتضاء الطاعة متصورًا فيه، وإذا / (١٧٤/ب) لم يكن اقتضاء الطاعة متصورًا فيه استحال التكليف به لفقد معناه، كما ذكرتم في امتناع تكليف الجماد لسبب فقد معنى الأمر، وهو الإعلام.
وتحرر هذا بعبارة أخرى وهي: أن المحال غير متصور، لأن كل متصور متميز، وكل متميز ثابت، والمحال غير ثابت في النفس، ولو كان له ثبوت في النفس، لما امتنع وجوده في الخارج لذاته، فلا يكون متصورًا، وإذا لم يكن متصورًا، لم يكن مأمورًا به، لأن المأمور به لابد وأن يكون متصورًا، لاستحالة طلب ما لا يكون متصورًا، والعلم بذلك ضروري.
وجوابهما: أنه مبني على أن المحال غير متصور.
وهو باطل: لأنا نحكم بأن الجميع بين السواد والبياض مثلاً ممتنع، فلولا أنه متصور وإلا لامتنع الحكم عليه بالامتناع ضرورة أن التصديق مسبوق بالتصور، ولأنه لو لم يكن متصورًا لم يمكن التمييز بين مفهومه وبين مفهوم أحداث القديم مثلاً، وحيث حصل التمييز دل على أنه متصور، فعلى هذا نمنع في العبارة الأولي قوله: الامتثال غير متصور في المحال.