بعد موت الراضي، وسأله أن ينحدر إليه إلى واسط، فانحدر إليه فأكرمه، وقال له: إني أريد أن أعتمد عليك في تدبير بدني: وفي أمر آخر هو أحب إليّ من أمر بدني وهو أمر أخلاقي لثقتي بعقلك ودينك فقد غمتني غلبة الغضب والغيظ، وإفراطهما فيّ حتى أخرج إلى ما أندم عليه عند سكونهما من ضرب وقتل، وأنا أسالك أن تتفقد لي ما أعمله فإذا وقفت لي على عيب لم تحتشم أن تصدقني عنه، وتنبهني عليه، ثم ترشدني إلى علاجه. فقال له: السمع والطاعة، أنا أفعل ذلك، ولكن يسمع الأمير مني بالعاجل جملة علاج ما أنكره من نفسه إلى أن آتي بالتفصيل في أوقاته، اعلم أيها الأمير أنك قد أصبحت وليس فوق يدك يد لأحد من المخلوقين وأنك مالك لكل ما تريده قادر على أن تفعله أي وقت أردته، لا يتهيأ لأحد من المخلوقين منعك منه، ولا أن يحول بينك وبين ما تهواه، أي وقت أردت، واعلم أن الغيظ والغضب يحدث في الإنسان سكرًا أشد من سكر النبيذ بكثير، فكما أن الإنسان يفعل في وقت السكر من النبيذ ما لا يعقل به ولا يذكره إذا صحا، ويندم عليه إذا حُدِّثَ به، ويستحيي منه، كذلك يحدث له في وقت السكر من الغيظ بل أشد، فإذا ابتدأ بك الغضب، فضع في نفسك أن تؤخر العقوبة إلى غد، واثقًا بأن ما تريد أن تعمله في الوقت لا يفوتك عمله، فإنك إذا بت ليلتك سكنت فورة غضبك، وقد قيل: أصح ما يكون الإنسان رأيًا إذا استدبر ليله واستقبل نهاره.
فإذا صحوت من غضبك فتأمل الأمر الذي أغضبك، وقدِّم أمر الله ﷿ أولاً، والخوف منه، وترك التعرض لسخطه، واشف غيظك بما لا يؤثمك، فقد قيل:" ما شفى غيظه مَنْ أثم " واذكر قدرة الله عليك، فإنك تحتاج إلى رحمته وإلى أخذه بيدك في أوقات شدائدك، فكما تحب أن يغفر لك، كذلك غيرك يحب أن تعفو عنه، واذكر أي ليلة بات المذنب قلقًا لخوفه منك، وما يتوقعه من عقوبتك، واعرف مقدار ما يصل إليه من السرور بزوال الرعب عنه، ومقدار الثواب الذي يحصل لك بذلك، واذكر قوله - تعالى -:: ﴿أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ﴾ [النور: ٢٢] وإنما يشتد عليك ذلك مرتين أو ثلاثًا، ثم تصير عادة لك وخلقًا.