• وعن مروان بن أبي حفصة أنه قال: كان المنصور قد طلب معن بن زائدة الشيباني طلبًا شديدًا، وجعل فيه مالًا، فحدثني معن باليمن أنه اضطر لشدة الطلب حتى قام في الشمس حتى لوحت وجهه، وخفف عارضه ولحيته، ولبس جبة صوف غليظة، وركب حملًا من حمال النقالة، وخرج ليمضي إلى البادية، وقد كان أبلى في حرب بين يدي عمر بن هبيرة بلاءً عظيمًا، فغاظ المنصور في طلبه قال معن: فلما خرجت من باب حرب تبعني أسود متقلدًا سيفًا حتى إذا غبت عن الحرس قبض على خطام الجمل فأناخه، وقبض عليّ، فقلت: مالك؟ فقال: أنت طلبة أمير المؤمنين، فقلت: ومَنْ أنا حتى يطلبني أمير المؤمنين، فقال: أنت معن بن زائدة، فقلت: يا هذا اتق الله، وأين أنا من معن بن زائدة، فقال: دع ذا عنك فأنا والله أعرف بك من نفسك، فقلت له: إن كان كما تقول فهذا جوهر حملته معي بأضعاف ما بذله المنصور لمن جاء بي، فخذه ولا تسفك دمي، قال: هاته، فأخرجته إليه فنظر إليه ساعة، وقال: صدقت في قيمته ولست نائله حتى أسألك عن شيء، فإن صدقتني أطلقتك، قلت: قل، قال: فإن الناس قد وصفوك بالجود، فأخبرني هل وهبت قط مالك كله، قلت: لا، قال: فنصفه، قلت: لا، قال: فثلثه قلت: لا، حتى بلغ العُشر فاستحييت، فقلت: أظن أني قد فعلت ذلك، قال: ما أراك فعلته، أنا والله رجل راجل رزقي مع أبي جعفر عشرون درهمًا، وهذا الجوهر قيمته آلاف الدنانير، وقد وهبته لك ووهبتك نفسك لجودك المأثور بين الناس، ولتحتقر بعد هذا كل شيء تفعله ولا تتوقف في مكرمة، ثم رمى بالعقد في حجري وخلَّى خطام البعير وانصرف، فقلت: يا هذا، قد والله فضحتني، ولسفك دمي أهون عليَّ مما فعلته، فخذ ما دفعته إليك فإني غني عنه، فضحك وقال: أردت أن تكذبني في مقامي هذا، والله لا آخذه ولا أتخذ لمعروف ثمنًا أبدًا، ومضى، فوالله لقد طلبته بعد أن أمنت وبذلت لمن جاءني به ما شاء، فما عرفت له خبرًا. [المنتظم ٨/ ١٤٩، ١٥٠].