قلت: لا أدري، قال: رجل يبني مدينةً مثل هذه لا تدري من بناها؟ فغدا من يكون حفص؟ من يكون إبراهيم؟ لا تغتر بهذا القول، ثم قال: جربت الناس مذ خمسون سنة، فما وجدت أخا لي ستر لي عورة، ولا غفر لي ذنبا فيما بيني وبينه، ولا وصلني إذا قطعته، ولا أمنته إذا غضب، فالإشتغال بهؤلاء حمق كبير.
كلما أصبحتَ تقول: أتخذ اليوم صديقا، ثم تنظر ما يرضيه عنك: أيَّ هدية؟ أيَّ تسليم؟ أيَّ دعوة؟ فأنت أبدا مشغول. [موسوعة ابن أبي الدنيا ٧/ ٥٤١].
• وقال الشاعر:[موسوعة ابن أبي الدنيا ٦/ ٥٢١].
ألا ذهب التذمم (١) والوفاء … وباد رجالُه وبقي الغُثاء
وأسلمني الزمان إلى أناس … كأنهم الذئب لهم عُواء
إذا ما جئتُهم يتدافعوني … كأني أجربٌ أعداه داء
صديقٌ لي إذا استغنيت عنهم … وأعداءٌ إذا نزل البلاء
أقول ولا أُلام على مقالٍ … على الإخوان كلِّهم العَفاء
• وقال مالك بن دينار ﵀: كل أخ وجليس وصاحب لا تستفيد منه خيرًا في أمر دينك: ففر منه. [موسوعة ابن أبي الدنيا ٦/ ٥٣٣].
• وقال نصر بن يحيى بن أبي كثير ﵀ وكان من الحكماء -: لم نجد شيئا أبلغ في الزهد في الدنيا من ثبات حزن الآخرة في قلب العبد، ومن ثبت ذلك في قلبه؛ آنسه بالوحدة، فأنس بها، واستوحش من المخلوقين، وذلك حين يرى عذوبة حب الخلوة في أعضائه كما يجري الماء في أصول الشجر؛ فأورقت أغصانها، وأثمرت عيدانها، ولزمه حزن ما يحزنه يوم القيامة، وخالط سويداء قلبه؛ فهاج من الخلوة فنون من أصول الزهد في الدنيا، وإذا صار العبد إلى درجة الخلوة، وصبر على ذلك، ودام عليه؛ نقله ذلك إلى حب الخلوة.
(١) التذمم للصاحب: أن يحفظ ذمامه ويطرح عن نفسه ذم الناس له إن لم يحفظه.