منكبًا لوجهه، ثم رفع رأسه إليه مستخذيًا متذللًا، فقال له: أنت إذًا ملك الموت، قال: أنا هو، فقال: فهل أنت ممهلي حتى أحدث عهدًا؟ قال: هيهات انقطعت مدتك، وانقضت أنفاسك، ونفدت ساعاتك، فليس إلى تأخيرك سبيل، قال: فإلى أين تذهب بي؟ قال: إلى عملك الذي قدمته، وإلى بيتك الذي مهدته، قال: فإني لم أقدم عملًا صالحًا، ولم أمهد بيتًا حسنًا، قال: فإلى ﴿لَظَى * نَزَّاعةً لِلشَّوَى﴾ [المعارج: ١٥، ١٦]، ثم قبض روحه فسقط بين أهله، فمن صارخ وباك. [موسوعة ابن أبي الدنيا ٥/ ٤٦٢].
• وعن وهب بن منيه ﵀ قال: كان ملك من الملوك أراد أن يركب إلى أرض، فدعا بثياب ليلبسها، فجيئ بثياب، فلم تعجبه، فطلب غيرها حتى لبس ما أعجبه بعد مرات، وكذلك طلب دابة، فأتي بها، فلم تعجبه، حتى أتي بدواب فركب أحسنها، فجاء إبليس فنفخ في منخره نفخة، فملأه كبرًا، ثم سار وسارت معه الخيول، وهو لا ينظر إلى الناس كبرًا، فجاءه رجل رثّ الهيئة، فسلم، فلم يرد عليه السلام فأخذ بلجام دابته، فقال: أرسل اللجام فقد تعاطيت أمرًا عظيمًا، فقال: إن لي إليك حاجة، قال: اصبر حتى أنزل، قال: لا، الآن! فقهره على لجام دابته، فقال: اذكرها، قال: هو سر، فأدنى له رأسه، فسارَّه وقال: أما ملك الموت، فتغير لون الملك، واضطرب لسانه، ثم قال: دعني حتى أرجع إلى أهلي، وأقضي حاجتي وأودعهم، قال: لا، والله لا ترى أهلك أبدًا، فقبض روحه، فخر ميتًا كأنه خشبة، ثم مضى فلقي عبدًا مؤمنًا في تلك الحال، فسلم عليه، فرد عليه السلام فقال: إن لي حاجة أذكرها في أذنك، فقال: هات، فساره وقال: أنا ملك الموت، فقال: أهلًا ومرحبًا بمن طالت غيبته علي، فوالله ما كان في الأرض غائب أحب إلي من أن ألقاه منك، فقال ملك الموت: اقض حاجتك التي خرجت لها، فقال: ما لي حاجة أكبر عندي، ولا أحب من لقاء الله تعالى، قال: فاختر على أي حال شئت أن أقبض روحك، فقال: تقدر على ذلك؟ قال: نعم، إني أمرت بذلك، قال: فدعني حتى أتوضأ وأصلي، واقبض روحي وأنا ساجد، فقبض روحه وهو ساجد. [موسوعة ابن أبي الدنيا ٥/ ٤٦٦].