للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَلْزَمُ تَطْبِيقُهُ بِالشَّرْعِ، وَإِنْ أَرَادُوا عَلَى وَجْهٍ يُخَالِفُ الشَّرْعَ أَوْ أَعَمَّ وَاعْتَقَدُوا حَقِّيَّتَهُ أَوْ رُجْحَانَهُ عَلَى الْكِتَابِ فَكُفْرٌ مَحْضٌ وَاعْلَمْ أَنَّ مَقْصُودَ الْمُصَنِّفِ لَيْسَ إنْكَارَ طَرِيقَةِ الصُّوفِيَّةِ بِالْكُلِّيَّةِ كَيْفَ وَهُوَ سَبِيلُ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ الْمُقَرَّبِينَ فَكَمَالُ الْإِنْسَانِ إنَّمَا يَكُونُ بِجَمْعِ الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ لَكِنَّ الْبَاطِنَ كَالْمَقْصُودِ لِذَاتِهِ وَالظَّاهِرَ كَشَرْطٍ فَهُمَا كَالْجَنَاحَيْنِ لِلطَّائِرِ.

قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - حِينَ اسْتَأْذَنْت مِنْهُ فِي عَالَمِ الْمِثَالِ عَلَى الْقَصْرِ عَلَى الْبَاطِنِ لَا فَإِنَّهُمَا جَنَاحَانِ يُطَارُ بِهِمَا إلَى أَعَالِي مَقَاصِدِ النَّجَاحِ وَالْخَلْوَةُ وَهِمَّةُ الشَّيْخِ الْكَامِلِ الْجَامِعِ رِيَاسَتَيْ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ لَهُمَا تَأْثِيرَاتٌ فِي الْوُصُولِ وَالِانْكِشَافِ لَكِنْ لَيْسَا عَلَى نَهْجِ مَا ادَّعَوْا بَلْ عَلَى نَهْجِ مَا أَشَرْنَا إلَيْهِ آنِفًا إذْ مَا يُخَالِفُ الشَّرْعَ وَسَاوِسُ وَغَوَائِلُ لَا عُلُومٌ وَمَعَارِفُ

(وَأَنَّ الْوُصُولَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى لَا يَكُونُ إلَّا بِرَفْضِ) تَرْكِ (الْعِلْمِ الظَّاهِرِ) الْمَعْلُومِ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ (وَ) رَفْضِ (الشَّرْعِ) كَعَطْفِ تَفْسِيرٍ، فَإِنْ أَرَادُوا بِهِ أَنَّا نَتْرُكُ الشَّرْعَ لِحُصُولِ الْوُصُولِ إلَى حَقَائِقِ الشَّرْعِ بِدُونِ مُرَاجَعَةٍ إلَيْهِ فَقَدْ عَرَفْت أَنَّهُ يُوجِبُ نَفْيَ حِكْمَةِ الْبَعْثَةِ لِلْأَنْبِيَاءِ وَعَبَثِيَّةَ وَضْعِ الشَّرَائِعِ بَيْنَ الْخَلْقِ، وَإِنْ أَرَادُوا تَرْكَ الشَّرْعِ لِلِاشْتِغَالِ بِمُرَاقَبَتِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَلِاسْتِيعَابِ الْأَوْقَاتِ فِي شُهُودِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ أَيْضًا كُفْرٌ إذْ ذَلِكَ اعْتِقَادُ سُقُوطِ التَّكْلِيفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ لِأَجْلِ الْمُرَاقَبَةِ نَعَمْ الْمُرَاقَبَةُ الْمَذْكُورَةُ وَمُطَالَعَةُ جَلَالِهِ تَعَالَى وَجَمَالِهِ أَحْسَنُ الْمَحَاسِنِ لَكِنْ بَعْدَ مُحَافَظَاتِ حَقَائِقِ الشَّرْعِ وَدَقَائِقِهِ.

وَاعْلَمْ أَنَّ عُلُومَنَا وَأَعْمَالَنَا مَأْخُوذَةٌ مِنْ مَعْدِنِ الرِّسَالَةِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَوْ صَحَّ لَنَقَلَهُ أَهْلُ الْحَدِيثِ الَّذِينَ الْتَزَمُوا بَيَانَ أَحْوَالِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَشَاعَ مِنْ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَهُمْ أُمَنَاءُ هَذِهِ الْأُمَّةِ كَيْفَ وَهُوَ مِنْ الْأُمُورِ الْمُهِمَّةِ الَّتِي يَلْزَمُ إعْلَانُهَا وَنَشْرُهَا (وَإِنَّا لَوْ كُنَّا عَلَى الْبَاطِلِ) كَمَا زَعَمَ أَهْلُ الظَّاهِرِ (لَمَا حَصَلَ لَنَا) مِنْ اللَّهِ (تِلْكَ الْحَالَاتُ السَّنِيَّةُ) الرَّفِيعَةُ الْمُضِيئَةُ مِنْ حَلِّ مُشْكِلَاتِهِمْ إلَى النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَالْمُرَاجَعَةِ إلَى اللَّهِ عِنْدَ عَدَمِ الْقَنَاعَةِ بِالنَّبِيِّ وَعَدَمِ الِاحْتِيَاجِ إلَى الْعُلُومِ بِالْخَلْوَةِ وَهِمَّةِ الشَّيْخِ (وَالْكَرَامَاتِ الْعَلِيَّةِ مِنْ مُشَاهَدَةِ الْأَنْوَارِ) الْمَلَكُوتِيَّةِ (وَرُؤْيَةِ الْأَنْبِيَاءِ الْكِبَارِ) مَنَامًا أَوْ يَقَظَةً بِقُوَّةِ الْمُجَاهَدَةِ وَخَرْقِ الْحُجُبِ الْمَادِّيَّةِ الْجُسْمَانِيَّةِ وَالْوُصُولِ إلَى الْقُدْسِيَّةِ الرَّحْمَانِيَّةِ.

قُلْنَا كُلُّ ذَلِكَ كَذِبٌ وَافْتِرَاءٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَعَلَى رَسُولِ اللَّهِ تَعَالَى إذْ كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ شُهُودَ أَنْوَارِهِ وَرُؤْيَةَ أَنْبِيَائِهِ لِمُرْتَكِبِي مِثْلِ هَذِهِ الْأَبَاطِيلِ، وَقَدْ جَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ الْأَحْوَالَ نَتَائِجَ صَالِحَاتِ الْأَعْمَالِ عَلَى قَوَانِينِ الشَّرِيعَةِ وَثَمَرَاتِهَا وَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَنْ يَصِلَ أَحَدٌ إلَى الثَّمَرَةِ بِدُونِ الشَّجَرَةِ فَالثَّمَرَةُ بِدُونِ الشَّجَرَةِ مُحَالٌ كَمَا أَنَّ الشَّجَرَةَ بِدُونِ الثَّمَرَةِ عَبَثٌ وَخِلَافٌ وَوَبَالٌ وَلِذَا اتَّفَقَ الْمَشَايِخُ عَلَى أَنَّ الْأَحْوَالَ مَوَارِيثُ الْأَعْمَالِ وَلَا يَرِثُ الْأَحْوَالَ إلَّا مَنْ صَحَّحَ الْأَعْمَالَ فَمِثْلُ هَذِهِ الْمُكَاشَفَاتِ اللَّدُنْيَّةِ إنَّمَا تَنْكَشِفُ بِالِاسْتِقَامَةِ عَلَى مُتَابَعَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرُسُوخِ الْأَقْدَامِ فِي دَقَائِقِ الْمُتَابَعَةِ وَحَقَائِقِهَا ظَاهِرًا وَبَاطِنًا وَالْمُحَافَظَةِ عَلَى التَّقْوَى وَالْمُجَانَبَةِ عَنْ فِتَنِ الْهَوَى فَعُلُومُهُمْ لَدُنْيَّةٌ وَأَرْوَاحُهُمْ عَرْشِيَّةٌ.

وَإِنْ كَانَتْ أَبْدَانُهُمْ فَرْشِيَّةً فَهُمْ كَائِنُونَ بَائِنُونَ قَرِيبُونَ غَرِيبُونَ ثُمَّ نَقُولُ: إنَّ مَنْ رَوَاهُ شَيْطَانٌ مَكْرٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى لِعَدَمِ اسْتِقَامَتِهِمْ عَلَى الشَّرْعِ وَالشَّيْطَانُ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَقُولَ أَنَا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِنْ لَمْ يَتَشَكَّلْ بِشَكْلِهِ الشَّرِيفِ وَلَوْ سَلِمَ فَالرُّؤْيَةُ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَمَا قِيلَ (وَأَنَّا إذَا صَدَرَ مِنَّا مَكْرُوهٌ أَوْ حَرَامٌ نُبِّهْنَا) عَلَى الْمَفْعُولِ (فِي النَّوْمِ بِالرُّؤْيَا فَنَعْرِفُ بِهَا الْحَلَالَ وَالْحَرَامَ) لَا يَخْفَى أَنَّ الْكَرَاهَةَ وَالْحُرْمَةَ وَالْحِلَّ مِنْ أَحْكَامِ الْعِلْمِ الظَّاهِرِ وَالشَّرِيعَةِ.

وَقَدْ حَصَرُوا الْوُصُولَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِرَفْضِهِ آنِفًا فَهَذَا تَنَاقُضٌ كَقَوْلِهِمْ نَأْخُذُ الْفَتْوَى مِنْ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ مِنْ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ هَذَا التَّنْبِيهِ الرُّؤْيَائِيِّ إيجَابُ

<<  <  ج: ص:  >  >>