فَيَنْبَغِي لِكُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يُحْسِنَ ظَنَّهُ بِهِ تَعَالَى.
(وَأَمَّا الثَّانِي) هُوَ حُسْنُ الظَّنِّ بِالْمُؤْمِنِينَ (فَمَنْدُوبٌ إلَيْهِ فِيمَا يُشَكُّ فِيهِ مِنْ أَمْرِهِمْ) مِنْ الْفَسَادِ وَالصَّلَاحِ أَيْ اسْتِوَائِهَا فَعِنْدَ رُجْحَانِ جَانِبِ الصَّلَاحِ فَبِطَرِيقِ الْأَوْلَى لَا يَخْفَى أَنَّ ظَاهِرَهُ عِنْدَ رُجْحَانِ جَانِبِ الْفَسَادِ فَحُسْنُ الظَّنِّ لَيْسَ بِمَنْدُوبٍ بَلْ اللَّازِمُ حِينَئِذٍ الْبُغْضُ فِي اللَّهِ كَمَا مَرَّ قَرِيبًا فَافْهَمْ لَكِنْ يَشْكُلُ أَنَّ مَدَارَ الظَّنِّ هُوَ الدَّلِيلُ الدَّالُّ ظَنًّا عَلَى الْحُكْمِ فَكَيْفَ يُمْكِنُ الظَّنُّ عِنْدَ كَوْنِ مَدَارِهِ شَكًّا وَقَدْ قِيلَ إنَّ الشَّكَّ مِنْ بَابِ التَّصَوُّرَاتِ وَالظَّنَّ مِنْ التَّصْدِيقَاتِ وَتَحْصِيلُ التَّصْدِيقِ مِنْ التَّصَوُّرِ لَيْسَ بِجَائِزٍ عَلَى الْمَذْهَبِ وَأَنَّ الشَّكَّ وَالظَّنَّ مَاهِيَّتَانِ مُتَبَايِنَتَانِ فَكَيْفَ تَتَحَصَّلُ إحْدَاهُمَا مِنْ الْأُخْرَى فَكَيْفَ يَتَحَصَّلُ حُسْنُ الظَّنِّ عِنْدَ كَوْنِ مُوجِبِهِ شَكًّا (وَيَحْتَمِلُ الصَّلَاحَ وَالْفَسَادَ) احْتِمَالًا مُسَاوِيًا (خُصُوصًا فِي الْمُسْلِمِ الظَّاهِرِ عَدَالَتُهُ) لَا يَخْفَى أَنَّهُ بِانْضِمَامِ الْعَدَالَةِ إلَى التَّسَاوِي الصُّورِيِّ يَخْرُجُ مِنْ الشَّكِّ إلَى الظَّنِّ فَلَا يَكُونُ مِنْ الْبَابِ (فَحَمْلُهُ عَلَى الْفَسَادِ حَرَامٌ) اللَّازِمُ إثْبَاتُ ذَلِكَ بِالدَّلِيلِ كَمَا فِي حُسْنِ الظَّنِّ بِاَللَّهِ تَعَالَى لَعَلَّهُ اعْتَمَدَ عَلَى دَلَالَةِ أَدِلَّةِ سُوءِ الظَّنِّ فَافْهَمْ (وَ) حَمْلُهُ (عَلَى الصَّلَاحِ) بِحُسْنِ الظَّنِّ (مُسْتَحَبٌّ) لِأَدِلَّةِ حُسْنِ الظَّنِّ يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْحَمْلُ عَلَى الْفَسَادِ حَرَامًا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مَنْهِيًّا وَقُرِّرَ فِي الْأُصُولِ أَنَّ النَّهْيَ عَنْ الشَّيْءِ أَمْرٌ بِضِدِّهِ فَاللَّازِمُ هُوَ الْوُجُوبُ لَا الِاسْتِحْبَابُ وَقَدْ كَانَ الظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ مَا كَانَ لَهُ ضِدٌّ وَاحِدٌ وَقَدْ قِيلَ أَيْضًا إنَّ ضِدَّ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَاجِبٌ إنْ قَوِيَ الْمَقْصُودُ بِالنَّهْيِ وَإِلَّا فَسُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ فَتَأَمَّلْ. ثُمَّ قَالَ فِي الْحَاشِيَةِ. وَأَمَّا عَدَمُ الْحَمْلِ عَلَى شَيْءٍ مِنْ الصَّلَاحِ وَالْفَسَادِ بَلْ التَّوَقُّفُ فَجَائِزٌ لَيْسَ بِحَرَامٍ وَلَا مَنْدُوبٍ.
[الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ وَمِنْ الْآفَاتِ الْقَلْبِيَّةِ التَّطَيُّرُ]
(الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ) وَمِنْ الْآفَاتِ الْقَلْبِيَّةِ (التَّطَيُّرُ) مَصْدَرُ تَطَيَّرَ مِنْ الشَّيْءِ وَأُطِيرَ مِنْهُ (وَالطِّيَرَةُ) وَهُوَ فِي الْأَصْلِ التَّفَاؤُلُ بِالطَّيْرِ فَإِنَّهُمْ يَتَفَاءَلُونَ بِأَسْمَائِهَا وَأَصْوَاتِهَا وَمُرُورِهَا ثُمَّ خُصَّ بِالتَّشَاؤُمِ وَهُوَ جَعْلُ الشَّيْءِ عَلَامَةً لِلشَّرِّ وَالشُّؤْمِ ضِدُّ الْيُمْنِ فَلِذَا قَالَ (وَهُوَ التَّشَاؤُمُ) وَذَلِكَ أَنَّهُمْ إذَا خَرَجُوا لِحَاجَةٍ فَإِنْ رَأَوْا الطَّيْرَ يَمُرُّ يَمْنَةً يَتَبَرَّكُونَ بِهِ وَإِنْ يَسْرَةً يَتَشَاءَمُونَ وَيَرْجِعُونَ إلَى بُيُوتِهِمْ وَرُبَّمَا يُنَفِّرُونَ الطُّيُورَ فَإِنْ أَخَذَتْ جَانِبَ الْيَمِينِ يَتَبَرَّكُونَ أَوْ جَانِبَ الْيَسَارِ فَيَتْرُكُونَ (وَهُوَ حَرَامٌ) بِالِاتِّفَاقِ وَإِنَّمَا الِاخْتِلَافُ فِي الْكُفْرِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ لِظَاهِرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute