للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

طَرِيقِ أَبِي أُمَامَةَ فَتَأَمَّلْ.

(وَفِي) كِتَابِ (تَعْلِيمِ الْمُتَعَلِّمِ التَّمَلُّقُ مَذْمُومٌ) فِي جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ مَعَ كُلِّ أَحَدٍ (إلَّا فِي طَلَبِ الْعِلْمِ) لِقُوَّةِ شَرَفِ الْعِلْمِ (فَإِنَّهُ يَنْبَغِي) لِطَالِبِ الْعِلْمِ (أَنْ يَتَمَلَّقَ لِأُسْتَاذِهِ) الَّذِي يَتَعَلَّمُ مِنْهُ وَكَذَا لِشَيْخِهِ الَّذِي يُرْشِدُهُ وَيُرَبِّيهِ بِالدَّلَالَةِ أَوْ الْمُقَايَسَةِ.

قَالَ الشَّاعِرُ

إنَّ الْمُعَلِّمَ وَالطَّبِيبَ كِلَاهُمَا ... لَا يَنْصَحَانِ إذَا هُمَا لَمْ يُكْرَمَا

أَكْرِمْ طَبِيبَك إنْ أَرَدْت تَدَاوِيَا ... وَكَذَا الْمُعَلِّمُ إنْ أَرَدْت تَعَلُّمَا

(وَشُرَكَائِهِ لِيَسْتَفِيدَ مِنْهُمْ) وَهُمْ حِينَئِذٍ فِي مَعْنَى الْأُسْتَاذِ (انْتَهَى) فَفِيهِ تَنْبِيهٌ أَنَّهُ لَا يَقْصُرُ الِاسْتِفَادَةَ عَلَى الْأُسْتَاذِ بَلْ قَدْ يَسْتَفِيدُ مِنْهُمْ وَلَا يَتَكَبَّرُ بَلْ قَدْ تَكُونُ الِاسْتِفَادَةُ مِنْ الشُّرَكَاءِ أَكْثَرَ مِمَّا مِنْ الْأُسْتَاذِ؛ إذْ قَدْ يَدِقُّ تَقْرِيرُ الْأُسْتَاذِ وَيَصْعُبُ فَهْمُهُ لِبَعْضِ التَّلَامِذَةِ لِكَوْنِهِ مُبْتَدِئًا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْبَوَاقِي أَوْ لِبَلَادَتِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَتَكَبَّرَ وَلَا يَخَافُ مِنْ تَعْيِيرِ الْغَيْرِ وَمَذَمَّتِهِ بَلْ يَقْصُرُ النَّظَرَ عَلَى انْتِفَاعِهِ، وَيُمْكِنُ أَنْ تُحْمَلَ الِاسْتِفَادَةُ مِنْهُمْ عَلَى الِاسْتِفَادَةِ مِنْ اسْتِشْكَالِهِمْ عَلَى الْأُسْتَاذِ وَمُبَاحَثَتِهِمْ مَعَهُ لَا يَخْفَى أَنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّهُ لَا يَتَمَلَّقُ إلَى الْعُلَمَاءِ غَيْرُ تِلْمِيذِهِمْ حِينَ الطَّلَبِ فَغَيْرُ التِّلْمِيذِ مُطْلَقًا وَالتِّلْمِيذُ غَيْرُ زَمَانِ الطَّلَبِ لَا يَتَمَلَّقُ لَكِنْ السَّابِقُ إلَى الْخَاطِرِ أَنَّ قُوَّةَ شَرَفِ الْعِلْمِ تَقْتَضِي جَوَازَ تَمَلُّقِ الْكُلِّ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ جَعْلَ الْعِلَّةِ الِاسْتِشْفَاقَ وَالِاسْتِعَانَةَ عَلَى الطَّلَبِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْعِبَارَةِ فَلَا يَعُمُّ وَأَنَّ مُطْلَقَ شَرَفِ الْعِلْمِ فَيُمْكِنُ أَنْ يَعُمَّ نَعَمْ يُمْكِنُ الْمُقَايَسَةُ بِأَنَّ احْتِيَاجَ الْغَيْرِ إلَى الْعُلَمَاءِ وَلَوْ فِي الْمَسَائِلِ وَالْفَتَاوَى وَالْمَوَاعِظِ وَالنَّصَائِحِ ضَرُورِيٌّ فَكَمَا يَجُوزُ تَمَلُّقُ التِّلْمِيذِ لِلِانْتِفَاعِ بِالِاسْتِفَادَةِ فَلْيَجُزْ تَمَلُّقُ الْغَيْرِ لِلِانْتِفَاعِ بِنَحْوِ مَا ذُكِرَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَبِمَا ذُكِرَ أَمْكَنَ أَنْ يَنْدَفِعَ تَوَهُّمُ الْمُنَافَاةِ بَيْنَ الْحَصْرِ فِي الدَّعْوَى وَالْحَدِيثِ وَبَيْنَ مَا وَسِعَ فِي تَعْلِيمِ الْمُتَعَلِّمِ وَجُمِعَ الشَّرِيكُ مَعَ الْأُسْتَاذِ (وَإِنْ) كَانَ إظْهَارُ التَّوَاضُعِ (أَكْثَرَ فَتَذَلُّلٌ حَرَامٌ) كَمَا رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَحِلُّ لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يُذِلَّ نَفْسَهُ» وَإِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ إلَّا لِأَمْرٍ دُنْيَوِيٍّ، وَالِافْتِقَارُ إلَى غَيْرِ اللَّهِ مِنْ عَدَمِ التَّوَكُّلِ عَلَى اللَّهِ وَمِنْ قِلَّةِ الِاسْتِعَانَةِ بِاَللَّهِ، وَالنَّفْعُ وَالضُّرُّ وَالْمَنْعُ وَالْعَطَاءُ مَقْصُورٌ عَلَى اللَّهِ (إلَّا لِضَرُورَةٍ) كَصِيَانَةِ دِينٍ أَوْ نَفْسٍ أَوْ مَالٍ أَوْ عَرْضٍ عَنْ تَلَفٍ أَوْ تَأَلُّمٍ مِنْ ظَالِمٍ مُتَكَبِّرٍ وَمِنْ قَوَاعِدِ الشَّرْعِ الْمَشَقَّةُ تَجْلُبُ التَّيْسِيرَ.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: ١٨٥] {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: ٧٨]- وَجَمِيعُ رُخَصِ الشَّرْعِ تَتَخَرَّجُ عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ.

ثُمَّ يُرَدُّ عَلَى الْمُصَنِّفِ إنْ كَانَ قَوْلُهُ إنَّ أَكْثَرَ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ وَإِنْ أَظْهَرَ كَثِيرًا كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ لَفْظًا فَلَا تَقَابُلَ وَلَا تَغَايُرَ بَيْنَ الْمَعْطُوفَيْنِ حَقِيقَةً وَإِنْ فُرِّقَ بَيْنَ الْكَثِيرِ وَالْأَكْثَرِ عَلَى مَعْنَى أَنَّ الْكَثِيرَ مَذْمُومٌ فِي غَيْرِ طَلَبِ الْعِلْمِ وَالْأَكْثَرَ مَذْمُومٌ مُطْلَقًا فَيَلْزَمُ مَذْمُومِيَّةُ الْأَكْثَرِ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ، وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ وَالْمَنْقُولِ هُوَ الْمُطْلَقُ فَيَلْزَمُ التَّقْيِيدُ بِالرَّأْيِ، وَالرَّأْيُ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ لَيْسَ بِجَائِزٍ وَلَا أَقَلَّ مِنْ التَّحَكُّمِ وَإِنْ عَطَفَ عَلَى مَضْمُونِ الْمُسْتَثْنَى أَيْ قَوْلَهُ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ كَمَا تُوُهِّمَ فَمَعَ مَا ذُكِرَ لَا يَصِحُّ قَوْلُهُ إلَّا لِضَرُورَةٍ إذْ تِلْكَ الضَّرُورَةُ لَا تَتَأَتَّى مِنْ الْأَسَاتِذَةِ عَلَى أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ لَا يَتَّخِذَ مِثْلَهُ أُسْتَاذًا، ثُمَّ الظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُ التَّوَاضُعُ كَثِيرًا فِي غَيْرِ الْمُسْتَثْنَى مَذْمُومٌ وَالْأَكْثَرُ حَرَامٌ مُطْلَقًا إلَّا فِي مُسْتَثْنَاهُ أَيْضًا لَعَلَّهُ اطَّلَعَ عَلَى دَلِيلِ الْحُكْمِ عَلَى نَحْوِهِ فَافْهَمْ.

[التَّذَلُّلُ الثَّالِثَ عَشَرَ مِنْ آفَاتِ الْقَلْبِ]

(وَهُوَ) أَيْ التَّذَلُّلُ (الثَّالِثَ عَشَرَ مِنْ آفَاتِ الْقَلْبِ) وَمِثَالُ التَّذَلُّلِ (كَالْعَالِمِ إذَا دَخَلَ عَلَيْهِ إسْكَافٌ) خَصَّافٌ أَيْ صَنْعَتُهُ عَمَلُ النِّعَالِ (فَتَنَحَّى لَهُ) تَحَوَّلَ يَعْنِي قَامَ (عَنْ مَجْلِسِهِ وَأَجْلَسَهُ فِيهِ) تَعْظِيمًا لَهُ (ثُمَّ تَقَدَّمَ وَسَوَّى لَهُ نَعْلَهُ) عِنْدَ الْخُرُوجِ (وَعَدَا) أَيْ تَجَاوَزَ وَمَشَى (إلَى بَابِ الدَّارِ) مَثَلًا تَشْيِيعًا لَهُ (خَلْفَهُ فَقَدْ تَخَاسَسَ) صَارَ خَسِيسًا (وَتَذَلَّلَ) صَارَ ذَلِيلًا أَوْ أَظْهَرَ الذِّلَّةَ (وَإِنَّمَا تَوَاضُعُهُ لَهُ) لِلْإِسْكَافِ (بِالْقِيَامِ) الظَّاهِرِ أَيْ بِحَوَائِجِهِ وَمَصَالِحِهِ (وَالْبِشْرِ) أَيْ طَلَاقَةِ الْوَجْهِ لَهُ (وَالرِّفْقِ فِي السُّؤَالِ) عَنْ مَصْلَحَتِهِ وَسَبَبِ مَجِيئِهِ أَوْ عَنْ جَوَابِ سُؤَالِهِ وَبِالْجُمْلَةِ الرِّفْقُ فِي الْمُخَاطَبَةِ وَالْمُكَالَمَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>