وَمِمَّا أَحَبَّهُ اللَّهُ تَعَالَى كَمَا فِي حَدِيثِ «عُلُوُّ الْهِمَّةِ مِنْ الْإِيمَانِ» وَحَدِيثِ «إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ مَعَالِيَ الْأُمُورِ وَيَكْرَهُ سَفْسَافَهَا» (أَنْ يُبَالِيَ) يَهْتَمَّ (بِزَوَالِ مِثْلِهِ بَلْ هُوَ مِنْ الْخَسَاسَةِ وَالدَّنَاءَةِ) وَنَظِيرُهُ قَنَاعَةُ الْكِلَابِ بِالْعِظَامِ مَعَ التَّرْكِ لِنَفَائِسِ الطَّعَامِ
[السَّابِعُ وَالْأَرْبَعُونَ الْغِشُّ وَالْغُلُّ]
(السَّابِعُ وَالْأَرْبَعُونَ الْغِشُّ وَالْغُلُّ وَهِيَ عَدَمُ تَمْحِيصِ النُّصْحِ)
أَيْ عَدَمُ قَصْدِ غَيْرِ خَالِصٍ (بِأَنْ لَا يَجْتَنِبَ مِنْ إصَابَةِ الشَّرِّ لِلْغَيْرِ) نَفْسًا أَوْ مَالًا أَوْ غَيْرَهُمَا (وَإِنْ لَمْ يُرِدْهُ) أَيْ الشَّرَّ (ابْتِدَاءً وَقَصْدًا كَمَنْ يُرِيدُ إزَالَةَ مَتَاعٍ مَعِيبٍ لَهُ فَيَكْتُمُ عَيْبَهُ فَيَبِيعُهُ) فَيَلْحَقُ الشَّرُّ بِالْمُشْتَرِي لَا يَقْصِدهُ لَكِنْ يُرِيدُ إخْرَاجَ الْمَعِيبِ عَنْ يَدِهِ (وَهَذَا غَيْرُ الْحَسَدِ) إذْ هُوَ إرَادَةُ زَوَالِ نِعْمَةِ الْغَيْرِ أَوْ عَدَمِ وُصُولِهِ (وَهَذَا) أَيْ عَدَمُ تَمْحِيصِ النُّصْحِ (أَيْضًا) كَالْحَسَدِ (حَرَامٌ) بِالِاتِّفَاقِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الْحُكْمِ يَكُونُ صَاحِبُهُ فَاسِقًا مَرْدُودَ الشَّهَادَةِ قَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ بِذَلِكَ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ حَرَامٌ وَمَعْصِيَةٌ لَا تُوجِبُ الْفِسْقَ كَمَا فِي الْحَاشِيَةِ لَا يَخْفَى أَنَّ الْحُرْمَةَ كَيْفَ تَنْفَكُّ عَنْ الْفِسْقِ بَلْ الْفَاسِقُ مَنْ يَرْتَكِبُ الْحَرَامَ إلَّا أَنْ يُرَادَ مِنْ الْحَرَامِ الْمَكْرُوهُ التَّحْرِيمِيِّ (م. عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - وَأَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ غَشَّنَا» أَيْ خَانَ وَالْغِشُّ سَتْرُ حَالِ الشَّيْءِ كَمَا فِي الْمُنَاوِيِّ أَوْ مَنْ لَمْ يُعْرِضْ عَنْ إصَابَةِ الشَّرِّ بِنَا كَمَا فِي الْحَاشِيَةِ أَوْ مَنْ لَمْ يُمَحِّصْ النُّصْحَ لَنَا كَمَا يَقْتَضِي السِّيَاقُ «فَلَيْسَ مِنَّا» أَيْ مِنْ مُتَابَعِينَا وَعَلَى مِنْهَاجِ شَرْعِنَا لِأَنَّ وَصْفَ الْمُصْطَفَى وَطَرِيقَتَهُ الزُّهْدُ فِي الدُّنْيَا وَالرَّغْبَةُ عَنْهَا وَعَدَمُ شَرَرِ الطَّمَعِ قَالَ الطِّيبِيُّ لَمْ يُرِدْ بِهِ نَفْيَهُ عَنْ الْإِسْلَامِ بَلْ نَفْيَ خُلُقِهِ عَنْ أَخْلَاقِ الْمُسْلِمِينَ أَيْ لَيْسَ هُوَ عَلَى سُنَّتِنَا وَطَرِيقَتِنَا فِي مُنَاصَحَةِ الْإِخْوَانِ فِي الْفَيْضِ اتَّفَقَ الشَّيْخَانِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَقِيلَ إنَّهُ مُتَوَاتِرٌ «وَقَالَ حِينَ مَرَّ عَلَى صُبْرَةِ طَعَامٍ فَأَعْجَبَتْهُ فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا فَنَالَ» أَيْ أَصَابَ «أَصَابِعَهُ بَلَلٌ فَقَالَ مَا هَذَا» لِلتَّوْبِيخِ «يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ؟ قَالَ أَصَابَتْهُ السَّمَاءُ» أَيْ الْمَطَرُ «يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ أَفَلَا جَعَلْته فَوْقَ الطَّعَامِ حَتَّى يَرَاهُ النَّاسُ» الظَّاهِرُ أَنَّ الطَّعَامَ مُعَدٌّ لِلْبَيْعِ وَأَنَّهُ مِنْ جِنْسِ الْبُرِّ وَزَادَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى «وَالْمُنْكِرُ وَالْخَدَّاعُ فِي النَّارِ» .
قَالَ الْمُنَاوِيُّ أَيْ صَاحِبُهُمَا يَسْتَحِقُّ دُخُولَهَا وَأَخَذَ الذَّهَبِيُّ مِنْ الْوَعِيدِ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الثَّلَاثَةَ مِنْ الْكَبَائِرِ فَعَدَّهَا مِنْهَا اهـ فَتَأَمَّلْ (فَيَجِبُ عَلَى كُلِّ بَائِعٍ إظْهَارُ عَيْبِ مَتَاعِهِ أَوْ أَنْ يُخْبِرَ بِهِ إنْ كَانَ) الْعَيْبُ (خَفِيًّا) لَا يُمْكِنُ إظْهَارُهُ كَالْبَوْلِ عَلَى الْفِرَاشِ وَالسَّرِقَةِ فِي الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَإِنْ أَخْفَاهُ كَانَ ظَالِمًا غَاشًّا فَحَرَامٌ وَتَرْكُ وَاجِبٍ فَلَوْ أَحْسَنَ ظَهْرَ الثَّوْبِ خِلَافَ مَا فِي بَطْنِهِ كَانَ غَاشًّا وَنَحْوُهُ بَيْعُ مَا يَحْسُنُ فِي الظُّلَمِ لِئَلَّا يَرَى الْمُشْتَرِي قُبْحَهُ وَعَيْبَهُ وَكَذَا السَّمْنُ الرَّدِيءُ وَأَمْثَالُهُمَا فِي حَدِيثِ الْجَامِعِ «الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا وَإِنْ كَتَمَا وَكَذَبَا اضْمَحَلَّتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا» قِيلَ نَزْعُ الْبَرَكَةِ مُخْتَصٌّ بِمَنْ وَقَعَ مِنْهُ التَّدْلِيسُ وَقِيلَ عَامٌّ فَيَعُودُ شُؤْمُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ.
(وَكَذَا يَجِبُ) شُرُوعٌ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي مِنْ الْغُلِّ (عَلَى كُلِّ مَنْ عَلِمَ مَنْ يُرِيدُ بَيْعًا أَوْ إجَارَةً
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute