(لَا تَنْظُرُ إلَى ظَاهِرِك نَظَرَ الْبَهَائِمِ) الظَّاهِرُ مِنْ قَبِيلِ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ إلَى مَفْعُولِهِ أَيْ نَظَرَ الرَّجُلِ لِلْبَهَائِمِ وَقِيلَ النَّظَرُ إلَى ظَاهِرِ الْبَهَائِمِ بِدُونِ تَدَبُّرِ الْغَايَةِ هُوَ النَّظَرُ الْأَوَّلُ الَّذِي سَمَّوْهُ نَظَرَ الْحَمْقَاءِ وَهُوَ شَأْنُ الْبَهَائِمِ فَإِنَّ الْعَاقِلَ لَا يَقْنَعُ بِهِ، بَلْ يُمْعِنُ النَّظَرَ وَيَتَدَبَّرُ عَاقِبَتَهُ وَفِعْلَهُ (وَانْظُرْ إلَى بَاطِنِك) أَهُوَ مَعْمُورٌ بِمُحَافَظَةِ شَرِيعَةِ اللَّهِ وَمُمَارَسَةِ سُنَّةِ حَبِيبِ اللَّهِ (نَظَرَ الْعُقَلَاءِ أَوَّلُك نُطْفَةٌ مَذِرَةٌ) بِفَتْحٍ وَكَسْرٍ مُتَغَيِّرَةٌ بَيَانٌ لِطَرِيقِ نَظَرِ الْعُقَلَاءِ (خَرَجْت مِنْ مَجْرَى الْبَوْلِ) مَرَّتَيْنِ مِنْ ذَكَرِ الْأَبِ نُطْفَةً وَمِنْ فَرْجِ الْأُمِّ (وَدَخَلْت فِي) مَخْرَجِ الْبَوْلِ (آخَرَ وَاخْتَلَطَتْ بِأُخْرَى) بِنُطْفَةٍ مَذِرَةٍ أُخْرَى (وَهُوَ دَمُ الْحَيْضِ) مُدَّةَ حَمْلِك بَلْ هُوَ غِذَاءٌ لَك فِيهِ.
(ثُمَّ خَرَجْت مِنْهُ) الْفَرْجِ الْآخَرِ (مَرَّةً أُخْرَى) بَعْدَ خُرُوجِك أَوَّلًا مِنْ فَرْجِ أَبِيك (وَآخِرُك جِيفَةٌ قَذِرَةٌ وَأَنْتَ بَيْنَهُمَا) بَيْنَ الْوِلَادَةِ وَالْمَوْتِ (حَمَّالُ الْعَذِرَةِ الرَّجِيعِ) الْغَائِطِ (فِي أَمْعَائِك وَالْبَوْلِ فِي مَثَانَتِك وَالْمُخَاطِ) مَا يَسِيلُ مِنْ الْأَنْفِ (فِي أَنْفُسِك وَالْبُزَاقِ فِي فَمِك وَالْوَسَخِ فِي أُذُنَيْك وَالدَّمِ فِي عُرُوقِك وَالصَّدِيدِ تَحْتَ بَشَرَتِك) أَيْ جِلْدِك (وَالصُّنَانِ) رَائِحَةِ الْإِبْطِ (تَحْتَ إبْطِك وَتَغْسِلُ الْغَائِطَ كُلَّ يَوْمٍ دَفْعَةً أَوْ دَفْعَتَيْنِ بِيَدِك وَتَتَرَدَّدُ إلَى الْخَلَاءِ كُلَّ يَوْمٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ) لِتُخْرِجَ مِنْ بَاطِنِك مَا لَوْ رَأَيْته بِعَيْنِك لَاسْتَقْذَرْتَهُ فَضْلًا عَنْ أَنْ تَمَسَّهُ أَوْ تَشُمَّهُ وَلَوْ تَرَكَ نَفْسَهُ أَيَّامًا لَصَارَ أَقْذَرَ مِنْ الْجِيفَةِ وَأَنْتَنَ مِنْ الدَّوَابِّ الْمُهْمَلَةِ فَمِنْ أَيْنَ لِلْمَزْبَلَةِ أَنْ تَفْتَخِرَ بِجَمَالِهَا وَالْإِنْسَانُ فِي الْحَقِيقَةِ مَزْبَلَةٌ فَإِنَّهُ مَنْبَعُ الْأَقْذَارِ وَالنَّجَاسَاتِ، بَلْ بِئْرُ بَالُوعَةٍ (وَكُلُّ هَذَا سَبَبُ الضَّعَةِ) التَّوَاضُعِ (وَالذُّلِّ وَالْحَيَاءِ فَضْلًا عَنْ الْكِبْرِ وَالْخُيَلَاءِ) فَيَنْبَغِي لِلْعَاقِلِ أَنْ يَتَأَمَّلَ جِنْسَ هَذِهِ الْأُمُورِ وَيَسْتَحْيِي مِنْ الْكِبْرِ، بَلْ يَتَوَاضَعُ وَقَدْ قِيلَ اعْلَمْ أَنَّك أَشَدَّ فَضَاحَةً مِنْ الْمَزْبَلَةِ وَقَدْ سُلِّطَ عَلَيْك أَمْرَاضٌ وَآلَامٌ ثُمَّ تَكُونُ أَقْذَرَ مِنْ الْجِيَفِ وَهَلْ يَتَكَبَّرُ طَعَامُ الدِّيدَانِ وَبَعْدَمَا أَكَلَتْك الدِّيدَانُ يَأْكُلُ بَعْضُهَا بَعْضَهَا فَتَبْقَى وَاحِدَةٌ تَمُوتُ جُوعًا.
وَعَنْ الرِّعَايَةِ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى عَزَّ وَجَلَّ أَيُعْجِزُنِي ابْنُ آدَمَ وَإِنَّمَا خَلَقْته مِنْ مِثْلِ هَذِهِ وَبَزَقَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي كَفِّهِ» فَخُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ أَقْذَارٍ وَسَكَنَ فِي أَقْذَارٍ وَخَرَجَ مِنْ أَقْذَارٍ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ مِنْ صُلْبٍ ثُمَّ مِنْ ذَكَرٍ إلَى رَحِمٍ ثُمَّ خَرَجَ مِنْ مَخْرَجٍ قَذِرٍ.
[وَالْخَامِسُ مِنْ أَسْبَابِ الْكِبْرِ الْقُوَّةُ الْبَدَنِيَّةُ وَشِدَّةُ الْبَطْشِ]
(وَالْخَامِسُ) مِنْ أَسْبَابِ الْكِبْرِ (الْقُوَّةُ) الْبَدَنِيَّةُ (وَشِدَّةُ الْبَطْشِ) الْأَخْذُ بِالْعُنْفِ (وَالتَّكَبُّرِ بِهَا جَهْلٌ أَيْضًا إذْ الْحِمَارُ وَالْبَقَرُ وَالْجَمَلُ وَالْفِيلُ كُلُّ ذَلِكَ أَقْوَى مِنْ الْإِنْسَانِ) وَلَوْ صَلَحَ ذَلِكَ لِذَلِكَ لَحَرِيٌّ تِلْكَ الْبَهَائِمُ أَنْ تَتَكَبَّرَ عَلَى الْكُلِّ وَأَمَّا ذُلُّهَا لِلْإِنْسَانِ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ} [يس: ٧٢] الْآيَةَ. فَمِنْ نِعَمِهِ تَعَالَى الَّتِي تُوجِبُ التَّوَاضُعَ لِلشُّكْرِ (وَأَيُّ افْتِخَارٍ فِي صِفَةٍ يَسْبِقُك الْبَهَائِمُ فِيهَا ثُمَّ إنَّهَا تَزُولُ بِحُمَّى يَوْمٍ وَنَحْوِهَا) فَلَا تَنْجَبِرُ فِي مُدَّةٍ، بَلْ لَوْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute