وَلَا أَقَامُوا الْأَدِلَّةَ عَلَيْهَا فَبِهَذَا الْإِعْجَابِ وَقَعَ هَلَاكُ جَمِيعِ الْهَالِكِينَ (إذْ صَاحِبُهُ يَظُنُّهُ) ذَلِكَ الْخَطَأَ فِي الرَّأْيِ (عِلْمًا لَا جَهْلًا) فَجَهْلٌ مُرَكَّبٌ فَيَصْعُبُ دَفْعُهُ (وَنِعْمَةً لَا نِقْمَةً وَصِحَّةً لَا مَرَضًا فَلَا يَطْلُبُ الْعِلَاجَ) إنَّمَا يَطْلُبُهُ بَعْدَ الْعِلْمِ إلَى مَا يَحْتَاجُ إلَى إزَالَتِهِ (وَلَا يَصْغَى) فَيَسْتَمِعُ (إلَى الْأَطِبَّاءِ) الرُّوحَانِيِّينَ الْحَاذِقِينَ فِي مُعَالَجَةِ أَمْرَاضِ الْقُلُوبِ بِأَدْوِيَةِ الْحُجَجِ الشَّرْعِيَّةِ مِنْ نَحْوِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ لِعَدَمِ اعْتِقَادِهِ دَاءً، بَلْ إنَّمَا يَعْتَقِدُ فِي نَفْسِهِ صِحَّةً وَشِفَاءً بِلَا دَوَاءٍ (وَهُمْ عُلَمَاءُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ) كَثَّرَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى وَأَعَانَهُمْ وَخَذَلَ أَعَادِيهِمْ؛ لِأَنَّ دَوَاءَهُمْ مَأْخُوذٌ مِنْ مَعْدِنِ الرِّسَالَةِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِلَا تَصَرُّفِهِمْ مِنْ تِلْقَاءِ أَنْفُسِهِمْ بِلَا زِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَانٍ.
[الْخُلُقُ الْخَامِسَ عَشَرَ مِنْ السِّتِّينَ مِنْ آفَات الْقَلْب الْحَسَدُ]
الْخُلُقُ (الْخَامِسَ عَشَرَ) مِنْ السِّتِّينَ (الْحَسَدُ وَفِيهِ أَرْبَعَةُ مَبَاحِثَ) الْأَوَّلُ فِي تَفْسِيرِهِ وَضِدِّهِ مَعَ مُنَاسِبِهِمَا وَحُكْمِهِمَا، الثَّانِي فِي آفَاتِهِ، الثَّالِثُ فِي عِلَاجِهِ عِلْمًا وَعَمَلًا، الرَّابِعُ فِي الْعِلَاجِ الْقَلَعِيِّ.
(الْمَبْحَثُ الْأَوَّلُ فِي تَفْسِيرِهِ وَضِدِّهِ وَمُنَاسِبِهِمَا) أَيْ الْحَسَدِ وَضِدِّهِ (وَحُكْمُهُمَا) وَهُوَ الصَّوَابُ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ حُكْمُهَا بِلَا تَثْنِيَةِ تَعْرِيفٍ (الْحَسَدُ إرَادَةُ زَوَالِ نِعْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى) دِينِيَّةً أَوْ دُنْيَوِيَّةً (عَنْ أَحَدٍ) مِنْ الْخَلْقِ (مِمَّا لَهُ فِيهِ صَلَاحٌ دِينِيٌّ) إذْ مَا لَيْسَ لَهُ صَلَاحٌ لَيْسَ بِحَسَدٍ بَلْ غَيْرَةُ دِينٍ كَمَنْ يَجْعَلُ عِلْمَهُ أَوْ مَالَهُ آلَةً لِمَعْصِيَتِهِ كَمَا سَيَجِيءُ (أَوْ) صَلَاحٌ (دُنْيَوِيٌّ) كَالْمَالِ وَالْجَاهِ (مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ فِي الْآخِرَةِ) ، وَأَمَّا بِهِ فَجَائِزٌ كَمَنْ لَهُ أَمْوَالٌ كَثِيرَةٌ لَا يُعْطِي حَقَّهَا بَلْ يَجْعَلُهَا آلَةً لِمَعْصِيَةٍ فَتَمَنِّي زَوَالِ الصَّلَاحِ الدُّنْيَوِيِّ الْمُضِرِّ لَا يَكُونُ حَسَدًا (أَوْ) إرَادَةُ (عَدَمِ وُصُولِهَا) أَيْ النِّعْمَةِ (إلَيْهِ) إلَى ذَلِكَ الْأَحَدِ ابْتِدَاءً (أَوْ حُبُّهُ مِنْ غَيْرِ إنْكَارٍ لَهُ) أَيْ لِلْحُبِّ كَمَنْ رَأَى أَحَدًا يَحْسُدُ أَحَدًا عَلَى شَيْءٍ فَأَحَبَّ ذَلِكَ الْحَسَدَ وَلَمْ يُنْكِرْهُ. (وَلَوْ وَقَعَ ` فِي قَلْبِك) ضَرُورَةً (مِنْ غَيْرِ اخْتِيَارٍ) وَقَصْدٍ مِنْك (وَوَجَدْت الْإِنْكَارَ لِوُقُوعِهِ فِيهِ) لَعَلَّهُ الْأَظْهَرُ فَأَنْكَرْت (فَلَا بَأْسَ بِهِ بِالِاتِّفَاقِ) ؛ لِأَنَّ الْخَاطِرَ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ التَّكْلِيفِ إذْ الْأُمُورُ الِاضْطِرَارِيَّةُ لَا يُؤَاخَذُ بِهَا - لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلَّا وُسْعُهَا - لَعَلَّ كَلِمَةَ لَا بَأْسَ هُنَا لَيْسَتْ عَلَى مَعْنَاهَا الْمَشْهُورِ مِمَّا كَانَ تَرْكُهُ أَوْلَى، إذْ التَّرْكُ اخْتِيَارِيٌّ، وَقَدْ عَرَفْت أَنَّ وُجُودَ هَذَا اضْطِرَارِيٌّ بَلْ بِمَعْنَى لَا يُؤْجَرُ عَلَيْهِ وَلَا يَأْثَمُ كَمَا نُقِلَ عَنْ الْهِدَايَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَنْقُشَ الْمَسْجِدَ وَقَدْ سَبَقَ أَنَّهَا قَدْ تُسْتَعْمَلُ أَيْضًا بِمَعْنَى أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ غَيْرُهُ وَهُوَ رَاجِعٌ إلَى الْأَوَّلِ وَهُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ الْكَافِي وَقَدْ تُسْتَعْمَلُ فِيمَا يَكُونُ فِعْلُهُ أَوْلَى كَمَا نُقِلَ عَنْ صَاحِبِ النِّهَايَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ لَا بَأْسَ بِالسِّوَاكِ بَلْ قَدْ تُسْتَعْمَلُ فِي الْوَاجِبِ؛ لِأَنَّ الْبَأْسَ وَالْجُنَاحَ كَالْمُتَسَاوِي وَنَفْيِ الْجُنَاحِ لِلْوُجُوبِ فِي قَوْله تَعَالَى {فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [البقرة: ١٥٨] فَلْيُجِزْ أَيْضًا نَفْيَ الْبَأْسِ كَذَلِكَ كَذَا قِيلَ وَنُقِلَ عَنْ الزَّاهِدِيِّ أَنَّهَا قَدْ تُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى لَا يَجُزْ كَمَا فِي قَوْلِهِمْ لَا بَأْسَ فِي النَّظَرِ إلَى الْأَجْنَبِيَّةِ.
(فَإِنْ لَمْ تَجِدْ) الْإِنْكَارَ فِي الْقَلْبِ بَعْدَ وُقُوعِهِ بِلَا اخْتِيَارٍ (أَوْ وَقَعَ بِاخْتِيَارٍ) مِنْك (وَإِرَادَةِ زَوَالِ) نِعْمَةِ اللَّهِ عَنْ أَحَدٍ (أَوْ) إرَادَةِ (عَدَمِ وُصُولِهَا) نِعْمَةٍ إلَى غَيْرِ (فَإِنْ عَمِلْت بِمُقْتَضَاهُ) بِأَنْ صَدَرَ مِنْك مَا يَكُونُ مُسَبَّبًا عَنْهُ قَوْلُهُ (أَوْ ظَهَرَ أَثَرُهُ فِي بَعْضِ الْجَوَارِحِ) مُسْتَغْنًى عَنْهُ، وَحَمْلُ أَوْ بِمَعْنَى الْوَاوِ عَلَى أَنْ يَكُونَ عَطْفَ تَفْسِيرٍ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى - {لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه: ٤٤]- وَإِنْ جَازَ فِي نَفْسِهِ كَالْحَمْلِ عَلَى التَّفْصِيلِ بَعْدَ الْإِجْمَالِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى - {كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا} [البقرة: ١٣٥]- {قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ} [الذاريات: ٥٢] وَكَالْإِضْرَابِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى - {قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} [النجم: ٩]- لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّهُ بَعِيدٌ مِنْ التَّفَاهُمِ (فَحَسَدٌ حَرَامٌ)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute