وَالْبَيْهَقِيِّ مِنْ رِوَايَةِ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - «بِئْسَ الْعَبْدُ عَبْدٌ تَخَيَّلَ وَاخْتَالَ وَنَسِيَ الْكَبِيرَ الْمُتَعَالِ بِئْسَ الْعَبْدُ عَبْدٌ تَجَبَّرَ وَاعْتَدَى وَنَسِيَ الْجَبَّارَ الْأَعْلَى بِئْسَ الْعَبْدُ عَبْدٌ تَخَيَّلَ الدُّنْيَا بِالدِّينِ بِئْسَ الْعَبْدُ عَبْدٌ سَهَا وَلَهَا وَنَسِيَ الْمَقَابِرَ وَالْبِلَى بِئْسَ الْعَبْدُ عَبْدٌ عَتَا وَطَغَى وَنَسِيَ الْمُبْتَدَا وَالْمُنْتَهَى بِئْسَ الْعَبْدُ عَبْدٌ تَخَيَّلَ الدِّينَ بِالشُّبُهَاتِ» الْحَدِيثَ.
وَعَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَخْوَفُ مَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي اتِّبَاعُ الْهَوَى فَيُصَدُّ عَنْ الْحَقِّ» وَرُئِيَ رَجُلٌ جَالِسًا فِي الْهَوَاءِ فَقِيلَ لَهُ بِمَ نِلْت هَذَا فَقَالَ تَرَكْت الْهَوَى فَسُخِّرَ لِي الْهَوَى وَاعْلَمْ أَنَّ مُوَافَقَةَ هَوَى النَّفْسِ طَاعَةُ الشَّيْطَانِ فَلَا تَتْبَعْ كُلَّ مَا يَشْتَهِي خَاطِرُك وَاعْتَبِرْ حَالَ آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَإِنَّهُ بِمَيْلِ مَا اشْتَهَى خَاطِرُهُ مَرَّةً جَرَى عَلَيْهِ مَا جَرَى وَنُوحٌ لَمَّا أَتْبَعَ فِي طَلَبِ تَخْلِيصِ ابْنِهِ مِنْ الْغَرَقِ رَدَّهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ - {فَلا تَسْأَلْنِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [هود: ٤٦]- الْآيَةَ وَإِبْرَاهِيمُ لَمَّا اسْتَرَاحَ سَاعَةً فِي مَضْجَعِهِ اُبْتُلِيَ بِذَبْحِ ابْنِهِ وَيَعْقُوبُ فَرِحَ بِلِقَاءِ يُوسُفَ سَاعَةً فَحُبِسَ فِي بَيْتِ الْأَحْزَانِ أَرْبَعِينَ وَيُوسُفُ الْتَفَتَ يَوْمًا إلَى جَمَالِهِ وَقَالَ لَوْ كُنْت عَبْدًا مَاذَا كُنْت أُسَاوِي فَبِيعَ بِثَمَنٍ بَخْسٍ وَحُبِسَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ وَمُوسَى ظَنَّ أَنَّهُ أَعْلَمُ أَهْلَ زَمَانِهِ فَابْتُلِيَ بِالْخَضِرِ وَدَاوُد مَالَ إلَى حَظّ نَفْسِهِ نَفَسًا فَابْتُلِيَ بِالْبُكَاءِ أَرْبَعِينَ سَنَةً حَتَّى نَاحَتْ الْجِبَالُ وَالطَّيْرُ مَعَهُ وَسُلَيْمَانُ اسْتَعْظَمَ مُلْكَهُ فَسُلِبَ مِنْهُ وَأُلْقِيَ عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدٌ وَيَحْيَى الْتَجَأَ إلَى غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى فَاسْتَتَرَ فِي بَطْنِ شَجَرَةٍ فَشُقَّ بِالْمِنْشَارِ
[الرَّابِعُ وَالْخَمْسُونَ الصَّلَفُ]
(الرَّابِعُ وَالْخَمْسُونَ)
(الصَّلَفُ) بِفَتْحَتَيْنِ (وَهُوَ تَزْكِيَةُ النَّفْسِ) بِالثَّنَاءِ عَلَيْهَا بِالْمَحَاسِنِ وَالْخَلَاصِ عَنْ الْمَعَايِبِ (وَإِظْهَارُ الْقُدْرَةِ عَلَى الْأُمُورِ الشَّاقَّةِ وَالْإِخْبَارُ عَنْ الْأُمُورِ الْغَرِيبَةِ) مِنْ التَّوَارِيخِ الْمَاضِيَةِ الْمُسْتَغْرَبَةِ أَوْ الْأُمُورِ الَّتِي سَتَحْدُثُ بِالتَّكَهُّنِ أَوْ بِالرَّمْلِ أَوْ الْجَفْرِ وَنَحْوِهِ (مَعَ عَدَمِ الْمُبَالَاةِ مِنْ الْكَذِبِ وَ) مِنْ عَدَمِ (التَّصْدِيقِ) أَيْ تَصْدِيقِ الْغَيْرِ لَهُ (وَهُوَ) أَيْ هَذَا الْخُلُقُ (نَاشِئٌ عَنْ الْكَذِبِ) طَلَبًا لِاسْتِطْرَافِ السَّامِعِينَ لِحَدِيثِهِ (وَالْعُجْبِ) قِيلَ إنَّ الصَّلَفَ وَالتَّصَلُّفَ عِبَارَةٌ عَنْ الدَّعَاوَى الْبَاطِلَةِ كَإِظْهَارِ الْقُدْرَةِ عَلَى الْأُمُورِ الصَّعْبَةِ وَالْأَخْبَارِ الْعَجِيبَةِ وَالْغَرَضُ مِنْهُ تَمَدُّحُ النَّفْسِ وَجَلْبُ الْقُلُوبِ وَتَرْغِيبُ النَّاسِ عَلَى حَسَبِ اقْتِضَاءِ الْمَقَامَاتِ وَذَلِكَ قَدْ يَنْشَأُ مِنْ الْكِبْرِ وَالْكَذِبِ وَالْعُجْبِ كَإِخْبَارِ الْأَغْنِيَاءِ بِبَذْلِ الْمَالِ فِي وُجُوهِ الْخَيْرِ فَوْقَ الْحَدِّ وَالْأُمَرَاءِ بِالصَّلَابَةِ وَالشُّجَاعَةِ وَالسِّيَاسَةِ وَالْعُلَمَاءِ بِالْعُلُومِ وَالْفُنُونِ وَالْمَشَايِخِ بِالرِّيَاضَاتِ وَالْكَشْفِ وَالْكَرَامَاتِ (وَيَنْشَأُ مِنْهُ النِّفَاقُ) الْعِلْمِيُّ (وَهُوَ) أَيْ النِّفَاقُ الْخُلُقِيُّ.
(الْخَامِسُ وَالْخَمْسُونَ)
(وَمَعْنَاهُ عَدَمُ مُوَافَقَةِ الظَّاهِرِ لِلْبَاطِنِ وَالْقَوْلِ لِلْفِعْلِ) هَذَا هُوَ نِفَاقُ الْعَمَلِ وَأَمَّا نِفَاقُ الِاعْتِقَادِ فَهُوَ إظْهَارُ الْإِيمَانِ وَإِبْطَالُ الْكُفْرِ وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ الْمُنَافِقِ فِي الْقُرْآنِ وَأَشَدُّ أَنْوَاعِ الْكُفْرِ وَإِنْ جَرَى عَلَيْهِمْ أَحْكَامُ الْإِسْلَامِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute