إنِّي أَرَدْت أَنْ أَشْكُوَ إلَيْهِ زَوْجَتِي وَبِهِ مِنْ الْبَلْوَى مِثْلُ مَا بِي فَرَجَعَ فَدَعَاهُ عُمَرُ فَسَأَلَهُ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ عُمَرُ إنِّي أَتَجَاوَزُ عَنْهَا لِحُقُوقٍ لَهَا عَلَيَّ الْأَوَّلُ أَنَّهَا سَتَرَتْ بَيْنِي وَبَيْنَ النَّارِ فَيَسْكُنُ بِهَا قَلْبِي مِنْ الْحَرَامِ.
الثَّانِي: أَنَّهَا خَازِنَةٌ لِي إذَا خَرَجْت مِنْ مَنْزِلِي حَافِظَةٌ لَهُ.
الثَّالِثُ: أَنَّهَا قَصَّارَةٌ لِي تَغْسِلُ ثِيَابِي.
الرَّابِعُ: أَنَّهَا ظِئْرٌ لِوَلَدِي.
الْخَامِسُ: أَنَّهَا خَبَّازَةٌ وَطَبَّاخَةٌ فَقَالَ الرَّجُلُ إنَّ لِي مِثْلَ مَا لَك فَكَمَا تَجَاوَزْت عَنْهَا أَتَجَاوَزُ عَنْهَا.
وَبِالْجُمْلَةِ يَنْبَغِي لِلزَّوْجِ أَنْ يَقُومَ بِحُقُوقِ الْأَهْلِ وَالصَّبْرِ عَلَى أَخْلَاقِهِنَّ وَاحْتِمَالِ الْأَذَى مِنْهُنَّ وَالسَّعْيِ فِي إصْلَاحِهِنَّ وَإِرْشَادِهِنَّ إلَى طَرِيقِ الدِّينِ وَالِاجْتِهَادِ فِي كَسْبِ الْحَلَالِ لِأَجْلِهِنَّ وَالْقِيَامِ بِتَرْبِيَةِ الْأَوْلَادِ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا أَنْفَقَ الرَّجُلُ عَلَى أَهْلِهِ فَهُوَ صَدَقَةٌ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيُؤْجَرُ فِي رَفْعِ اللُّقْمَةِ إلَى فِي امْرَأَتِهِ» .
وَفِي الْجَامِعِ أَيْضًا «مَا أَنْفَقَ الرَّجُلُ فِي بَيْتِهِ وَأَهْلِهِ وَوَلَدِهِ وَخَدَمِهِ فَهُوَ لَهُ صَدَقَةٌ» قَالَ شَارِحُهُ قَالَ الْحَرَّانِيُّ وَالْمُنْفِقُ أَعْلَى حَالًا مِنْ الْمُزَكِّي؛ لِأَنَّ الْمُزَكِّيَ يُخْرِجُ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ فَرْضًا وَالْمُنْفِقَ يَجُودُ بِمَا فِي يَدِهِ فَضْلًا انْتَهَى أَقُولُ لَعَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَصْلِهِمْ مِنْ أَنَّ النَّفَلَ أَفْضَلُ مِنْ الْفَرْضِ، وَأَمَّا عِنْدَنَا كَمَا مَرَّ فَإِنَّ الْفَرْضَ أَفْضَلُ مِنْ النَّفْلِ
(وَمِنْهَا) مِنْ الْآفَاتِ الْغَيْرِ الْمُخْتَصَّةِ بِعُضْوٍ (إضَاعَةُ الرَّجُلِ أَوْلَادَهُ وَمَا يَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ مِنْ الْأَقَارِبِ وَالْأَرِقَّاءِ وَالدَّوَابِّ فَإِنَّهُ رَاعٍ فَهَذِهِ رَعَايَاهُ يُسْأَلُ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) ، وَعَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ، وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُ» (خُصُوصًا الْأَوْلَادُ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْأَبِ نَفَقَةُ أَوْلَادِهِ الصِّغَارِ وَكِسْوَتُهُمْ) وَأَمَّا الْكِبَارُ إذَا كَانُوا مَرْضَى عَاجِزِينَ عَنْ الْكَسْبِ، أَوْ أَوْلَادُ الْأَشْرَافِ لَيْسَ مِنْ شَأْنِهِمْ الِاكْتِسَابُ أَوْ كَانُوا مُتَفَرِّغِينَ لِتَحْصِيلِ الْعُلُومِ الدِّينِيَّةِ صَارِفِينَ أَوْقَاتَهُمْ إلَيْهَا فَكَذَا لَا تَسْقُطُ نَفَقَاتُهُمْ عَنْ آبَائِهِمْ بِخِلَافِ الْكِبَارِ الْأَغْنِيَاءِ أَوْ الْقَادِرِينَ عَلَى الِاكْتِسَابِ، وَكَذَا إنْ كَانَ لِلصِّغَارِ أَمْوَالٌ وَنَفَقَتُهُمْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ (وَتَعْلِيمُهُمْ وَتَأْدِيبُهُمْ) كَمَا قِيلَ مَنْ أَدَّبَ أَوْلَادَهُ أَرْغَمَ حُسَّادَهُ، وَأَمَّا إذَا صَدَرَ مِنْهُمْ مُنْكَرٌ فَعَلَيْهِ الْمَنْعُ إذَا امْتَنَعُوا بِمَنْعِهِ وَإِلَّا فَالْهَجْرُ حَتَّى يَمْتَنِعُوا (قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} [التحريم: ٦] بِالنُّصْحِ وَالتَّأْدِيبِ (وَأَنْ لَا يَلْبَسَ الْحَرِيرَ) إذَا كَانُوا ذُكُورًا، وَكَذَا الذَّهَبُ (وَلَا يُخَضِّبُ أَيْدِي الذُّكُورِ وَأَرْجُلَهُمْ بِالْحِنَّاءِ وَلَا يُفِيدُ) فِي دَفْعِ الْإِثْمِ (قَوْلُهُ أُمُّهُمْ فَعَلَتْ وَأَنَا غَيْرُ رَاضٍ بِهِ؛ لِأَنَّ الرِّجَالَ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ) يَقُومُونَ عَلَيْهِنَّ قِيَامَ الْوُلَاةِ عَلَى الرَّعِيَّةِ (وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ فَرْضٌ) كَمَا مَرَّ مِرَارًا (وَمِنْهَا الْخَلْوَةُ مَعَ الْأَجْنَبِيَّةِ) غَيْرِ الْمَحْرَمِ شَابَّةً أَوْ عَجُوزًا، وَعَنْ الْمُلْتَقَى وَلَا بَأْسَ بِسَفَرِ الْأَمَةِ وَأُمِّ الْوَلَدِ بِلَا مَحْرَمٍ، وَالْخَلْوَةُ بِهَا قِيلَ مُبَاحٌ وَقِيلَ لَا انْتَهَى. لَكِنْ مَنَعُوا الْخَلْوَةَ وَالْمُسَافَرَةَ مَعَ الْمَحْرَمِ الرَّضَاعِيِّ كَالْأُخْتِ رَضَاعًا (فَإِنَّهَا حَرَامٌ) بِدَلِيلِ مَا فِي (خ م عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - مَرْفُوعًا «لَا يَخْلُوَنَّ أَحَدُكُمْ بِامْرَأَةٍ» أَجْنَبِيَّةٍ «إلَّا مَعَ ذَاتِ مَحْرَمٍ» .
[تَشَبُّهُ الرَّجُلِ بِالْمَرْأَةِ وَبِالْعَكْسِ]
(وَمِنْهَا تَشَبُّهُ الرَّجُلِ بِالْمَرْأَةِ وَبِالْعَكْسِ) أَيْ يَتَزَيَّنُ أَحَدُ الصِّنْفَيْنِ بِزِيِّ الْآخَرِ (خ م عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - مَرْفُوعًا أَنَّهُ «لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute