مَعْرِفَةٍ وَاحِدَةٍ وَشَرِيعَةٍ وَاحِدَةٍ لِيَأْلَفَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فِي اللَّهِ وَبِاَللَّهِ فَيَكُونُونَ كَرَجُلٍ وَاحِدٍ عَلَى عَدُوِّهِمْ فَمَنْ انْفَرَدَ عَنْ حِزْبِ الرَّحْمَنِ انْفَرَدَ بِهِ الشَّيْطَانُ، وَأَوْقَعَهُ فِي النِّيرَانِ وَقِيلَ مَعْنَاهُ الْحَقُّ مَعَ الْجَمَاعَةِ الْأُولَى مِنْ الصَّحْبِ، وَعَنْ الْبَيْهَقِيّ إذَا فَسَدَ الْجَمَاعَةُ فَعَلَيْك بِمَا كَانُوا قَبْلُ، وَإِنْ كُنْت وَحْدَك فَإِنَّك إذًا هُوَ الْجَمَاعَةُ، وَأَمَّا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اخْتِلَافُ أُمَّتِي رَحْمَةٌ» فَإِنَّمَا هُوَ اخْتِلَافُ الْأُمَّةِ الْكَامِلَةِ، وَهُمْ الْمُجْتَهِدُونَ فِي اجْتِهَادِهِمْ، وَقِيلَ يَدْخُلُ فِيهِ اخْتِلَافُ أَرْبَابِ الصَّنَائِعِ وَالْحِرَفِ، وَفِي حَدِيثِ الْمَصَابِيحِ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى «أَنَا اللَّهُ لَا إلَهَ إلَّا أَنَا فَمَنْ لَمْ يَصْبِرْ عَلَى بَلَائِي، وَلَمْ يَشْكُرْ نَعْمَائِي، وَلَمْ يَرْضَ بِقَضَائِي فَلْيَطْلُبْ رَبًّا سِوَايَ» .
وَعَنْ الْإِحْيَاءِ شَكَا بَعْضُهُمْ مِنْ فَقْرِهِ إلَى بَعْضِ أَرْبَابِ الْقُلُوبِ فَقَالَ لَهُ أَيَسُرُّك أَنَّك أَعْمَى، وَلَك عَشَرَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ قَالَ لَا قَالَ أَيَسُرُّك أَنَّك أَخْرَسُ، وَلَك عَشَرَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ قَالَ لَا قَالَ أَيَسُرُّك أَنَّك أَقْطَعُ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ ثُمَّ كَذَا، وَكَذَا قَالَ لَا فَقَالَ أَمَّا تَسْتَحْيِي أَنْ تَشْكُوَ مَوْلَاك، وَلَهُ عِنْدَك عُرُوضٌ بِخَمْسِينَ أَلْفًا. وَفِي الرِّسَالَةِ الْقُشَيْرِيَّةِ قَالَ عَطَاءٌ دَخَلْت عَلَى عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - «فَقُلْت أَخْبِرِينَا بِأَعْجَبِ مَا رَأَيْت مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَبَكَتْ، وَقَالَتْ، وَأَيُّ شَأْنِهِ لَمْ يَكُنْ عَجَبًا أَنَّهُ أَتَانِي فِي لَيْلَةٍ فَدَخَلَ مَعِي فِي فِرَاشِي حَتَّى مَسَّ جِلْدِي جِلْدَهُ ثُمَّ قَالَ يَا بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ ذَرِينِي أَتَعَبَّدُ لِرَبِّي قُلْت إنِّي أُحِبُّ قُرْبَك فَأَذِنْت لَهُ فَقَامَ إلَى قِرْبَةٍ مِنْ مَاءٍ فَتَوَضَّأَ فَأَكْثَرَ صَبَّ الْمَاءِ ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي فَبَكَى حَتَّى سَالَتْ دُمُوعُهُ عَلَى صَدْرِهِ ثُمَّ رَكَعَ فَبَكَى ثُمَّ سَجَدَ فَبَكَى ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَبَكَى فَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى جَاءَ بِلَالٌ فَآذَنَهُ بِالصَّلَاةِ فَقُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا يُبْكِيك، وَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَك مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِك وَمَا تَأَخَّرَ قَالَ أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا؛ وَلِمَ لَا أَفْعَلُ، وَقَدْ أُنْزِلَ عَلَيَّ {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} [البقرة: ١٦٤] » الْآيَةَ.
[التَّاسِعُ وَالثَّلَاثُونَ السُّخْطُ وَالتَّضَجُّرُ]
(التَّاسِعُ وَالثَّلَاثُونَ السُّخْطُ) أَيْ غَضَبُ الْعَبْدِ (بِعَدَمِ حُصُولِ الْمُرَادِ وَهُوَ) أَيْ السُّخْطُ (ذِكْرُ غَيْرِ مَا قَضَاهُ اللَّهُ تَعَالَى) فِيمَا مَنَعَ مِنْهُ (بِأَنَّهُ) أَيْ غَيْرُ الْمَقْضِيِّ. الْجَارُّ مُتَعَلِّقٌ بِالذِّكْرِ (أَوْلَى بِهِ، وَأَصْلَحُ لَهُ) الضَّمِيرُ أَنَّ لِلْعَبْدِ أَوْ الذِّكْرِ (فِيمَا لَا يَسْتَيْقِنُ صَلَاحَهُ، وَفَسَادَهُ) فِي أَمْرِ الدِّينِ أَوْ الدُّنْيَا (وَالتَّضَجُّرُ) عَطْفٌ عَلَى الذِّكْرِ (بِمَا قَضَاهُ اللَّهُ تَعَالَى) أَيْ الْمَقْضِيُّ بِمَا لَا يُلَائِمُ مِزَاجَهُ (وَضِدُّهُ) أَيْ السُّخْطِ (الرِّضَا) بِالْمَقْصُورَةِ وَالْمَمْدُودَةِ كَمَا فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ قِيلَ مِنْ سَهْوِ النَّاسِخِ (وَهُوَ) أَيْ الرِّضَا (طِيبُ النَّفْسِ فِيمَا يُصِيبُهُ، وَفِيمَا يَفُوتُهُ) لِاسْتِوَاءِ الْحَالَيْنِ عِنْدَهُ لِإِيمَانِهِ بِالْقَدْرِ (مَعَ عَدَمِ التَّغَيُّرِ) لِلْعِلْمِ بِأَنَّ لِلَّهِ تَعَالَى فِي كُلِّ صُنْعٍ حِكْمَةً يَتَعَجَّبُ الْعَاقِلُ مِنْ سِرِّهَا كَمَا فِي قِصَّةِ مُوسَى وَالْخَضِرِ - عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَإِذَا عَلِمَ السَّالِكُ هَذَا غَلَبَ الْحُبُّ عَلَى الْإِحْسَاسِ بِالْأَلَمِ كَمَا لِلْمَرِيضِ وَالتَّاجِرِ الْمُتَحَمِّلَيْنِ شِدَّةَ الْحِجَامَةِ وَالسَّفَرِ (وَالتَّسْلِيمُ لِلَّهِ تَعَالَى) عَطْفٌ عَلَى الرِّضَا (وَهُوَ) أَيْ التَّسْلِيمُ (الِانْقِيَادُ لِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى) بِالظَّاهِرِ (وَتَرْكُ الِاعْتِرَاضِ) بِالْبَاطِنِ (فِيمَا لَا يُلَائِمُ طَبْعَهُ) مِنْ الْمُنَافِرَاتِ كَمَا قِيلَ الْفَقْرُ بَلَاءٌ وَمِحْنَةٌ وَالْعِيَالُ هَمٌّ وَتَعَبٌ وَالِاحْتِرَافُ كَدٌّ وَمَشَقَّةٌ كُلُّ ذَلِكَ قَادِحٌ فِي الرِّضَا بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يُسَلَّمَ التَّدْبِيرُ لِمُدَبِّرِهِ وَالْمَمْلَكَةُ لِمَالِكِهَا كَمَا قَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَا أُبَالِي أَصْبَحْت غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَإِنِّي لَا أَدْرِي أَيُّهُمَا خَيْرٌ لِي كَذَا نُقِلَ عَنْ الْإِحْيَاءِ.
(طك) الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ (حب) ابْنُ حِبَّانَ (عَنْ أَبِي هِنْدَ الدَّارِيِّ) قِيلَ هُوَ يَزِيدُ، وَقِيلَ غَيْرُهُ لَكِنْ قَالَ الْمُنَاوِيُّ اسْمُهُ بِرُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَزِينٍ صَحَابِيٌّ سَكَنَ فِلَسْطِينَ، وَأَخُو تَمِيمٍ الدَّارِيِّ لِأُمِّهِ قَالَ الْعِرَاقِيُّ إسْنَادُهُ ضَعِيفٌ جِدًّا لِأَنَّ فِيهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute