للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَمْتَدُّ إلَى الظَّاهِرِ دُونَ السَّرَائِرِ وَأَخَذَ مِنْهُ الْإِمَامُ الرَّافِعِيُّ أَنَّهُ يُسَنُّ لِلْإِمَامِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَنْ يَزِيدَ فِي حُسْنِ الْهَيْئَةِ وَاللِّبَاسِ وَيَتَعَمَّمَ وَيَرْتَدِيَ انْتَهَى أَقُولُ إنَّ مِثْلَ هَذَا لَا يُعَدُّ مِنْ الْخَوَاصِّ؛ إذْ الْأَصْلُ أَنَّهُ أُسْوَةٌ يُقْتَدَى بِهِ فِي فِعْلِهِ مَا لَمْ يَقُمْ دَلِيلُ خُصُوصِهِ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنَّ مَا عَلَّلَ بِهِ جَارٍ فِي الْغَيْرِ وَالشَّيْخُ فِي قَوْمِهِ كَالنَّبِيِّ فِي أُمَّتِهِ كَيْفَ وَالْعُلَمَاءُ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ فَمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مِنْ الْإِطْلَاقِ لَيْسَ عَلَى الْإِطْلَاقِ فَلْيُتَأَمَّلْ (وَيَسْتَنْكِفُ مِنْ حَمْلِ حَوَائِجِهِ) مِنْ السُّوقِ مَثَلًا إلَى بَيْتِهِ (بَيْنَ النَّاسِ) لِئَلَّا يُسْقِطُوهُ مِنْ نَظَرِهِمْ (وَيَحْمِلُهُ فِي اللَّيْلِ) لِأَنَّ الْأَكْثَرَ عَدَمُ الرُّؤْيَةِ (أَوْ) فِي النَّهَارِ (حَيْثُ لَا يَرَاهُ النَّاسُ) عُمُومُهُ أَوْ خُصُوصُهُ كَمَا عِنْدَ أَشْرَافِهِمْ أَوْ عِنْدَ الْغُرَبَاءِ، وَكَذَا الْكَسْبُ بِيَدِهِ فَإِنَّهُ يَعْمَلُ عِنْدَ الْخَلْوَةِ وَيَمْتَنِعُ فِي الْجَلْوَةِ يَشْكُلُ أَنَّهُ قَدْ أُشِيرَ فِيمَا سَبَقَ كَمَا هُنَا أَيْضًا أَنَّ مِثْلَهُ مِنْ الرِّيَاءِ وَلَوْ جُعِلَ مِنْ الْكِبْرِ أَيْضًا لَزِمَ التَّوَارُدُ أَوْ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْمَجْمُوعُ عِلَّةً مُسْتَقِلَّةً عَلَى وَجْهٍ يَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ جُزْءَ عِلَّةٍ وَعِلَّةً نَاقِصَةً أَوْ يَكُونُ أَحَدُهُمَا عِلَّةً لِلْآخَرِ وَالْآخَرُ عِلَّةً لِلْحُكْمِ فَاعْرِفْهُ

[الْمَبْحَثُ الرَّابِعُ فِي عَلَامَاتِ الْكِبْرِ وَالتَّكَبُّرِ]

(الْمَبْحَثُ الرَّابِعُ) (فِي عَلَامَاتِ الْكِبْرِ وَالتَّكَبُّرِ) الْأَوَّلُ مَا بِنَفْسِهِ وَالثَّانِي مَا بِالتَّكَلُّفِ (اعْلَمْ أَنَّ الْكِبْرَ) لِقُوَّةِ خَفَائِهِ (قَدْ يَخْفَى عَلَى صَاحِبِهِ حَتَّى يَظُنَّ) يَعْتَقِدَ (أَنَّهُ بَرِيءٌ مِنْهُ) وَالْحَالُ أَنَّهُ مُتَّصِفٌ بِهِ (فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ أَخْلَاقِ الْمُتَكَبِّرِينَ حَتَّى يَعْرِضَ كُلُّ سَالِكٍ) آخِرَةً (نَفْسَهُ عَلَيْهَا) أَيْ مِنْ الْأَخْلَاقِ الْمَذْكُورَةِ (فَيَمِيزُ الْخَبِيثَ مِنْ الطَّيِّبِ فَلَا يَغُرُّهُ الْغَرُورُ) قِيلَ بِالْفَتْحِ الشَّيْطَانُ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ} [فاطر: ٥] ، وَقِيلَ الْهَوَى أَوْ الدُّنْيَا (فَمِنْهَا) أَيْ مِنْ أَخْلَاقِ الْمُتَكَبِّرِينَ (أَنْ يُحِبَّ قِيَامَ النَّاسِ لَهُ) عِنْدَ قُدُومِهِ، قِيلَ وَقَدْ يُحِبُّ الْقِيَامَ لِكَوْنِهِ مَجْبُولًا عَلَى ذَلِكَ مِنْ صِغَرِهِ لِكَوْنِهِ مِنْ أَوْلَادِ الْأَشْرَافِ بِلَا أَخْطَارِ كِبْرٍ وَقَدْ يُحِبُّ لِرَغْمِ أَنْفِ مَنْ يُخَالِفُهُ فِي الدِّينِ وَقَدْ يُحِبُّ لِيُظْهِرَ عَظَمَتَهُ فَيَمْتَثِلُونَ فِي نُصْحِ الدِّينِ وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ كِبْرًا وَالْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى وَلَا يَعْلَمُ مَا فِي الْقُلُوبِ غَيْرُ عَلَّامِ الْغُيُوبِ لَا يَخْفَى أَنَّ الْأَوَّلَ مَنْظُورٌ فِيهِ (أَوْ بَيْنَ يَدَيْهِ) كَمَا هُوَ عَادَةُ الظَّلَمَةِ فَإِنَّ خُدَّامَهُمْ وَغِلْمَانَهُمْ قِيَامٌ عِنْدَ حُضُورِهِمْ وَأَشْنَعُ مَا اعْتَادُوا كَوْنُهُمْ مُرْدًا (تَعْظِيمًا لِنَفْسِهِ) وَإِظْهَارًا لِشَرَفِهِ عَلَيْهِمْ وَلِعُلُوِّ مَنْزِلَتِهِ لَدَيْهِمْ وَعَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْظُرَ إلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَلْيَنْظُرْ إلَى رَجُلٍ قَاعِدٍ وَبَيْنَ يَدَيْهِ قَوْمٌ قِيَامٌ.

وَقَدْ قَالَ أَنَسٌ «لَمْ يَكُنْ شَخْصٌ أَحَبَّ إلَيْهِمْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَكَانُوا إذَا رَأَوْهُ لَمْ يَقُومُوا لَهُ لِمَا يَعْلَمُونَ مِنْ كَرَاهَتِهِ لِذَلِكَ» .

وَأَمَّا لَوْ أَحَبَّ ذَلِكَ تَعْظِيمًا لِشَرَفِ الْعِلْمِ وَإِظْهَارًا لِمَرْتَبَةِ رَوْنَقِهِ فَلَيْسَ بِمَذْمُومٍ عَلَى إطْلَاقِهِ كَمَا نُقِلَ عَنْ الْعَيْنِيِّ شَارِحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ إِسْحَاقَ السَّعِيدِيِّ أَنَّهُ قَالَ: كُنْت أَرَى يَحْيَى بْنَ الْقَطَّانِ يُصَلِّي الْعَصْرَ ثُمَّ يَسْتَنِدُ إلَى أَصْلِ مَنَارِ مَسْجِدِهِ فَيَقِفُ بَيْنَ يَدَيْهِ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ وَالشَّاذَكُونِيُّ وَعَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَغَيْرُهُمْ يَسْأَلُونَهُ عَنْ الْحَدِيثِ وَهُمْ قِيَامٌ عَلَى أَرْجُلِهِمْ إلَى أَنْ تَجِيءَ صَلَاةُ الْمَغْرِبِ وَلَا يَقُولُ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ اجْلِسْ وَلَا يَجْلِسُونَ هَيْبَةً لَهُ وُلِدَ سَنَةَ عِشْرِينَ وَمِائَةٍ وَتُوُفِّيَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَتِسْعِينَ وَمِائَةٍ، وَيَقْرَبُ إلَى هَذَا الْجِنْسِ مَا فِي الْفَتَاوَى كَالْخُلَاصَةِ يَتَقَدَّمُ الشَّابُّ الْعَالِمُ عَلَى الشَّيْخِ الْغَيْرِ الْعَالِمِ وَالتِّلْمِيذُ لَا يَفْتَحُ الْكَلَامَ قَبْلَ أُسْتَاذِهِ وَلَا يَجْلِسُ مَكَانَهُ وَإِنْ غَابَ عَنْهُ وَلَا يَرُدُّ عَلَيْهِ كَلَامَهُ وَلَا يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ فِي مَشْيِهِ لَكِنْ يَشْكُلُ بِمَا فِي بَعْضِ الْفَتَاوَى أَيْضًا أَنَّ بَعْضَ الْمَشَايِخِ لَا يَقُومُ عِنْدَ قُدُومِ الْعُلَمَاءِ وَيَقُومُ عِنْدَ قُدُومِ الْأَعْوَانِ فَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَأَجَابَ إنَّ طَبِيعَتَهُمْ مَجْبُولَةٌ عَلَى ذَلِكَ فَيَتَأَذَّوْنَ مِنْ تَرْكِ الْقِيَامِ دُونَ مَجَالِسِنَا انْتَهَى

وَذَلِكَ رِضًا بِالْمَعْصِيَةِ وَعَوْنٌ عَلَيْهَا (بِلَا وِجْدَانِ كَرَاهَةٍ مِنْ نَفْسِهِ) بَلْ يَرْضَى وَيَكُونُ مَسْرُورًا (لِهَذَا الْحُبِّ)

<<  <  ج: ص:  >  >>