للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نَحْوِ السَّرِقَةِ وَالْحَرَامِ وَمِنْ نَحْوِ الْغَيْبَةِ وَالْكَذِبِ وَفُحْشِيَّاتِ الْكَلَامِ، وَيُعَلِّمُهُ فَنَاءَ الدُّنْيَا وَزَوَالَهَا وَأَنَّ الْمَوْتَ مُنْتَظَرٌ فِي كُلِّ سَاعَةٍ وَيُرَغِّبُهُ فِي نَعِيمِ الْجَنَّةِ وَمَا يَدْعُو إلَيْهَا، وَيُخَوِّفُهُ النَّارَ وَمَا يَكُونُ بَاعِثًا إلَيْهَا وَيَقُولُ إنَّ الْجَنَّةَ لِمَنْ كَانَ قَارِئًا وَعَالِمًا وَالنَّارَ لِمَنْ كَانَ جَاهِلًا وَفَاسِقًا.

وَاعْلَمْ أَنَّ الصَّبِيَّ خُلِقَ جَوْهَرَةً قَابِلَةً لِلنَّقْشِ لِلْخَيْرِ وَالشَّرِّ جَمِيعًا وَإِنَّمَا أَبَوَاهُ يَمِيلَانِ بِهِ إلَى أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى فِطْرَةِ الْإِسْلَامِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ وَيُمَجِّسَانِهِ» فَأَكْلُ الْحَرَامِ مَنْشَأٌ لِكَوْنِ الْوَلَدِ شِرِّيرًا فَإِنَّهُمَا عِنْدَ عَدَمِ اجْتِنَابِهِمَا مِنْ الْحَرَامِ يَكُونُ طَبْعُ الْوَلَدِ مَائِلًا إلَى كُلِّ الشَّرِّ، وَفِي هَذَا الزَّمَانِ أَكْثَرُ النَّاسِ شِرِّيرًا وَفَاسِقًا إنَّمَا هُوَ مِنْ حُصُولِهِمْ مِنْ لُقْمَةِ الْحَرَامِ كَذَا فِي التَّبْيِينِ وَفِي الشِّرْعَةِ وَيُعَلَّمُ الْكِتَابَ إذَا عَقَلَ وَمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ الْفَرَائِضِ وَالسُّنَنِ وَيُعَلَّمُ السِّبَاحَةَ وَالرَّمْيَ وَلَا يَرْزُقُهُ إلَّا طَيِّبًا وَأَنَّ الْوَلَدَ أَمَانَةُ اللَّهِ أَوْدَعَهُ إيَّاهَا طَاهِرًا مُطَهَّرًا فَيَجْتَهِدُ فِي صِيَانَةِ دِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَيُؤَدِّبُهُ بِآدَابِ اللَّهِ فَإِنَّ ذَلِكَ خَيْرٌ لَهُ مِنْ كَثِيرٍ مِنْ الْقُرَبِ فَإِنَّهُ مَسْئُولٌ عَنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمُؤَاخَذٌ بِالتَّقْصِيرِ، فَإِذَا تَكَلَّمَ يُعَلِّمُهُ أَوَّلًا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ، وقَوْله تَعَالَى {فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} [المؤمنون: ١١٦] وَيُلَقِّنُهُ آيَةَ الْكُرْسِيِّ وَآخِرَ سُورَةِ الْحَشْرِ وَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ لَمْ يُحَاسِبْهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَيُعَوِّدُهُ عَلَى فِعْلِ الْخَيْرَاتِ وَثَوَابِهِ لِلْوَالِدِ، وَيُسَوِّي بَيْنَ أَوْلَادِهِ فِي الْعَطَاءِ، وَيُعَاشِرُ الْأَوْلَادَ بِالْمَرْحَمَةِ وَالْعَطْفِ وَاللِّينِ، وَيُقَبِّلُهُمْ عَنْ شَفَقَةٍ وَرَأْفَةٍ وَيُبَاسِطُهُمْ فِي الْكَلَامِ وَاللَّعِبِ الْمُبَاحِ «وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُدْلِعُ لِسَانَهُ لِلْحَسَنِ» فَإِذَا رَأَى الصَّبِيُّ حُمْرَةَ لِسَانِهِ يَهْتَدِي وَلَا يَضِيقُ قَلْبُهُ بِبُكَاءِ الرَّضِيعِ فَإِنَّهُ ذِكْرٌ وَتَهْلِيلٌ وَتَحْمِيدٌ وَاسْتِغْفَارٌ لِوَالِدَيْهِ.

[قَطْعُ الرَّحِمِ]

(وَمِنْهَا) أَيْ مِنْ الْآفَاتِ الْإِنْسَانِيَّةِ (قَطْعُ الرَّحِمِ) وَهُوَ مِنْ الْكَبَائِرِ (م عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مَرْفُوعًا «أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْخَلْقَ» أَيْ قَدَّرَ جَمِيعَ الْمَخْلُوقَاتِ فِي عِلْمِهِ السَّابِقِ عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ وَقْتَ جُهُودِهِمْ «حَتَّى إذَا فَرَغَ مِنْهُمْ» أَيْ أَتَمَّ قَضَاءَهُمْ وَالْفَرَاغُ تَمْثِيلٌ وَقَوْلُ الْأَكْمَلِ خَلَقَ إنْ كَانَ بِمَعْنَى أَوْجَدَ فَالْفَرَاغُ عَلَى حَقِيقَتِهِ رُدَّ بِأَنَّ الْفَرَاغَ الْحَقِيقِيَّ بَعْدَ الشُّغْلِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَا يَشْغَلُهُ شَأْنٌ عَنْ شَأْنٍ ثُمَّ إنَّ ذَا بَعْدَ خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِبْرَازِهِمَا لِلْوُجُودِ أَوْ بَعْدَ خَلْقِهِمَا كَتَبَ فِي اللَّوْحِ أَوْ بَعْدَ انْتِهَاءِ خَلْقِ أَرْوَاحِ بَنِي آدَمَ عِنْدَ قَوْلِهِ - {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ} [الأعراف: ١٧٢] «قَامَتْ الرَّحِمُ» حَقِيقَةً بِأَنْ تَتَجَسَّدَ وَتَتَكَلَّمَ، وَالْقُدْرَةُ صَالِحَةٌ، أَوْ هُوَ تَمْثِيلٌ وَاسْتِعَارَةٌ إذْ الرَّحِمُ مَعْنًى وَهُوَ الِاتِّصَالُ الْقُرْبِيُّ مِنْ النَّسَبِ فَشُبِّهَتْ بِمَنْ يَحْتَاجُ إلَى الصِّلَةِ فَاسْتَعَاذَتْ مِنْ الْقَطِيعَةِ وَالْمُرَادُ تَفْخِيمُ شَأْنِهَا «فَأَخَذَتْ بِحَقْوِ الرَّحْمَنِ» الْحَقْوُ شَدُّ الْإِزَارِ كِنَايَةً عَنْ كَمَالِ التَّذَلُّلِ وَالتَّوَاضُعِ وَالتَّضَرُّعِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى خَوْفًا مِنْ الْقَطِيعَةِ كَمَا أَنَّ أَخْذَ حَقْوِ إنْسَانٍ دَالٌّ عَلَى كَمَالِ تَضَرُّعِ الْآخِذِ وَتَذَلُّلِهِ لِأَجْلِ حُصُولِ مُرَادِهِ؛ لِأَنَّ عَادَةَ الْمُسْتَجِيرِ أَنْ يَأْخُذَ بِذَيْلِ الْمُسْتَجَارِ بِهِ أَوْ بِطَرَفِ إزَارِهِ وَرُبَّمَا يَأْخُذُ بِحَقْوِ إزَارِهِ تَفْضِيحًا لِأَمْرِهِ وَمُبَالَغَةً وَتَوْكِيدًا فِي الِاسْتِجَارَةِ فَكَأَنَّهُ يُشِيرُ بِهِ إلَى أَنَّ الْمَطْلُوبَ أَنْ يَحْرُسَهُ وَيَذُبَّ عَنْهُ وَأَنَّهُ لَاصِقٌ بِهِ وَلَا يَنْفَكُّ عَنْهُ فَاسْتُعِيرَ ذَلِكَ لِلرَّحِمِ وَاسْتِعَاذَتِهَا بِاَللَّهِ تَعَالَى مِنْ الْقَطِيعَةِ وَهُوَ أَيْضًا مَجَازٌ إدْنَاءً لِلْمَعْنَى الْمَعْقُولِ إلَى الْمِثَالِ الْمَحْسُوسِ الْمُعْتَادِ بَيْنَهُمْ لِيَكُونَ أَقْرَبَ إلَى فَهْمِهِمْ وَأَمْكَنَ فِي نُفُوسِهِمْ لَا أَنَّ ثَمَّةَ حَقِيقَةَ قِيَامٍ وَصُورَةَ كَلَامٍ كَمَا تَقُولُ أَرَدْت أَنْ أَقْطَعَ مَحَبَّتَك فَقَامَتْ مَحَبَّتُك فَثَبَتَتْ بِقَلْبِي أَوْ الْمُرَادُ بِقِيَامِهَا قِيَامُ مَلَكٍ يَتَكَلَّمُ بِهِ عَلَى لِسَانِهَا بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الرَّحِمُ مُصَوَّرَةً بِصُورَةٍ بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى «فَقَالَ» تَعَالَى لَهَا «مَهْ» أَيْ اُسْكُتِي وَاكْفُفِي عَنْ هَذَا «قَالَتْ» أَيْ الرَّحِمُ مَقَالًا أَوْ حَالًا «هَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ بِك» أَيْ مَقَامِي هَذَا مَقَامُ الْمُسْتَجِيرِ بِك «مِنْ الْقَطِيعَةِ» يَعْنِي سَبَبُ عِيَاذِي بِحَقْوِك خَشْيَةَ أَنْ يَقْطَعَنِي أَحَدٌ «قَالَ» تَعَالَى «نَعَمْ أَمَا تَرْضَيْنَ» خِطَابٌ لِلرَّحِمِ وَالِاسْتِفْهَامُ لِلتَّقْرِيرِ لِمَا بَعْدَ

<<  <  ج: ص:  >  >>