للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(عَلَى كَفِّ الْإِنْعَامِ عَلَيْهِ أَلْزَمَ نَفْسَهُ الزِّيَادَةَ فِي الْإِنْعَامِ وَإِنْ) بَعَثَهُ (عَلَى الدُّعَاءِ عَلَيْهِ) بِالشَّرِّ (دَعَا لَهُ بِزِيَادَةِ النِّعْمَةِ الَّتِي حَسَدَهُ فِيهَا) أَيْ لِأَجْلِ هَذِهِ النِّعْمَةِ لِيَكُونَ مَا يَفْعَلهُ مَاحِيًا لِإِثْمِ مَا سَبَقَهُ.

وَهَذِهِ هِيَ أَدْوِيَةُ الْحَسَدِ وَهِيَ نَافِعَةٌ جِدًّا إلَّا أَنَّهَا مُرَّةٌ قَطْعًا وَالنَّفْعُ فِي الدَّوَاءِ الْمُرِّ فَمَنْ لَمْ يَصْبِرْ عَلَى مَرَارَةِ الدَّوَاءِ لَمْ يَنَلْ حَلَاوَةَ الشِّفَاءِ.

[الْمَبْحَثُ الرَّابِعُ أَسْبَابُ الْحَسَدِ سِتَّةٌ]

(الْمَبْحَثُ الرَّابِعُ) مِنْ الْأَرْبَعَةِ (فِي الْعِلَاجِ الْقَلَعِيِّ وَهُوَ يَحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَةِ أَسْبَابِهِ ثُمَّ إزَالَتِهَا) فَإِنَّهَا مَوَادُّ هَذَا الْمَرَضِ وَلَا يَنْقَمِعُ الْمَرَضُ إلَّا بِقَمْعِ الْمَادَّةِ وَلَوْ انْقَمَعَ لَمْ يَظْهَرْ كَثِيرًا (وَهِيَ) أَسْبَابُ الْحَسَدِ (سِتَّةٌ) أَوَّلُهَا تَعَزُّزٌ ثَانِيهَا تَكَبُّرٌ ثَالِثُهَا خَوْفُ فَوْتِ الْمَقْصُودِ رَابِعُهَا حُبُّ الرِّيَاسَةِ خَامِسُهَا خُبْثُ النَّفْسِ سَادِسُهَا الْحِقْدُ.

(الْأَوَّلُ التَّعَزُّزُ) بِالْمُهْمَلَةِ وَالزَّايَيْنِ أَيْ التَّكَلُّفُ مِنْ الْحَاسِدِ لِلتَّرَفُّعِ وَالْعِزَّةِ عَلَى الْمَحْسُودِ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُهُ (وَهُوَ أَنْ يَثْقُلَ عَلَيْهِ) الْحَاسِدُ (أَنْ يَتَرَفَّعَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ) بِشَيْءٍ مِنْ أَسْبَابِ التَّرَفُّعِ (فَإِذَا أَصَابَ بَعْضُ أَمْثَالِهِ) وَأَقْرَانِهِ (وِلَايَةً) رِيَاسَةً كَالْجَاهِ (أَوْ عِلْمًا أَوْ مَالًا) لَا سِيَّمَا أَكْثَرُ مِنْ عِلْمِهِ وَمَالِهِ (خَافَ أَنْ يَتَكَبَّرَ عَلَيْهِ وَهُوَ لَا يُطِيقُ تَكَبُّرَهُ وَلَا تَسْمَحُ) تَقْنَعُ وَتَرْضَى (نَفْسُهُ بِاحْتِمَالِ صَلَفِهِ) ادِّعَاءُ التَّكَبُّرِ فَوْقَ مَرْتَبَتِهِ (وَتَفَاخُرِهِ عَلَيْهِ فَلَيْسَ غَرَضُهُ التَّكَبُّرَ عَلَيْهِ بَلْ غَرَضُهُ أَنْ يَدْفَعَ كِبْرَهُ) عَنْ نَفْسِهِ (وَيَرْضَى بِمُسَاوَاتِهِ لَهُ وَزِيَادَتِهِ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ تَكَبُّرٍ) هَذَا التَّفْصِيلُ لَمْ يَقَعْ فِي الْإِحْيَاءِ بَلْ اكْتَفَى بِمَا قَبْلَهُ عَلَى أَنْ يَكُونَ مِنْ أَسْبَابِ الْحَسَدِ عَلَى الْإِطْلَاقِ فَمَا عَقَّبَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ التَّفْصِيلِ وَإِنْ وَافَقَ الْقِيَاسَ لَكِنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْأَصْلِ الْمُنْتَحَلِ عَنْهُ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّوْفِيقِ فَلَعَلَّ الْغَزَالِيَّ جَعَلَ مَضْمُونَ قَوْلِهِ خَافَ أَنْ يَتَكَبَّرَ إلَخْ مِنْ الْأُمُورِ الْمَوْهُومَةِ الَّتِي لَيْسَ لَهَا تَأْثِيرٌ فِي الْخَارِجِيَّاتِ بَلْ مِنْ قَبِيلِ سُوءِ الظَّنِّ بِالْمُسْلِمِ، وَالْكُلُّ مَأْمُورٌ بِحُسْنِ الظَّنِّ فَتَأَمَّلْ.

(فَإِنْ أَرَادَ عَدَمَ وُصُولِهِ إلَى تِلْكَ النِّعْمَةِ أَوْ زَوَالِهَا) إرَادَةً (مُقَيَّدَةً بِالْإِفْضَاءِ إلَى الْكِبْرِ فَلَيْسَ يُحْسَدُ لِمَا مَرَّ) فِيمَا نُقِلَ عَنْهُ مِنْ أَنَّهُ نَاشِئٌ مِنْ غَيْرَةِ الْمُؤْمِنِ لِلَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ لَيْسَ لَهُ صَلَاحٌ دِينِيٌّ (وَإِنْ) أَرَادَ عَدَمَ وُصُولِهِ إلَى تِلْكَ النِّعْمَةِ أَوْ زَوَالِهَا (وَإِنْ مُطْلَقًا) عَنْ التَّقْيِيدِ بِذَلِكَ الْقَيْدِ أَعْنِي الْإِفْضَاءَ إلَى الْكِبْرِ (فَحَسَدٌ لِعَدَمِ التَّيَقُّنِ بِالْفَسَادِ) وَهُوَ الْإِفْضَاءُ إلَى الْكِبْرِ وَأَيْضًا اللَّازِمُ حَمْلُ الْمُؤْمِنِ عَلَى الصَّلَاحِ

<<  <  ج: ص:  >  >>