للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الْمَبْحَثُ الرَّابِعُ الْإِسْرَافَ هَلْ يَقَعُ فِي الصَّدَقَةِ]

(الْمَبْحَثُ الرَّابِعُ) (فِي أَنَّ الْإِسْرَافَ هَلْ يَقَعُ فِي الصَّدَقَةِ) فَيَحْرُمُ أَوْ يُكْرَهُ كَمَا عَرَفْت (رُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ) أَحَدُ أَعْلَامِ التَّابِعِينَ وَالْأَئِمَّةِ الْمُفَسِّرِينَ قَرَأَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ، وَعَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ مَاتَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَمِائَةٍ يُقَالُ مَاتَ، وَهُوَ سَاجِدٌ (أَنَّهُ قَالَ لَوْ كَانَ أَبُو قُبَيْسٍ) جَبَلٌ عَنْ يَمِينِ الْكَعْبَةِ وَيُقَالُ لَهُ جَبَلُ الْأَمِينِ (ذَهَبًا لِرَجُلٍ فَأَنْفَقَهُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ لَمْ يَكُنْ مُسْرِفًا) لِإِطْلَاقِ النُّصُوصِ وَالْآثَارِ، وَعَدَمِ تَنَافِي مَاهِيَّةِ الصَّدَقَةِ وَعَدَمِ شُمُولِ مَاهِيَّةِ الْإِسْرَافِ (، وَلَوْ أَنْفَقَ) أَيْ أَعْطَى فَلِلْمُشَاكَلَةِ أَوْ لِمَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ (دِرْهَمًا) وَاحِدًا (أَوْ مُدًّا) رُبْعَ صَاعٍ (فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى كَانَ مُسْرِفًا) فَمَا أُنْفِقَ فِي سَبِيلِهِ تَعَالَى وَإِنْ كَثُرَ فَلَيْسَ بِسَرَفٍ، وَفِي مَعْصِيَتِهِ فَسَرَفٌ، وَإِنْ قَلَّ لَكِنْ لَعَلَّ يَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ بِعَدَمِ ضَرُورَتِهِ كَاضْطِرَارِ قُوتِهِ الْيَوْمِيِّ مَثَلًا إذْ لَا يَجُوزُ تَصَدُّقُ نَحْوِ هَذَا الْقَدْرِ حِينَئِذٍ (وَفِي هَذَا الْمَعْنَى) أَيْ فِي حَقِّ عَدَمِ كَوْنِ الْإِنْفَاقِ فِي طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى سَرَفًا وَلَوْ كَثُرَ، وَرُدَّ (قَوْلُ حَاتِمٍ) الطَّائِيِّ قِيلَ هُوَ الْمَشْهُورُ بِالسَّخَاءِ وَالْجُودِ (حِينَ قِيلَ لَهُ لَا خَيْرَ فِي السَّرَفِ فَقَالَ لَا سَرَفَ فِي الْخَيْرِ) لَعَلَّ حَاتِمًا مِمَّنْ يُحْتَجُّ بِقَوْلِهِ لِعِلْمِهِ أَوْ صَلَاحِهِ وَزُهْدِهِ وَرِيَاضَتِهِ، وَإِلَّا فَكَيْفَ يُحْتَجُّ بِقَوْلِهِ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَى مَا يُقَالُ إنَّ حَاتِمًا كَافِرٌ فَكَيْفَ يُحْتَجُّ بِقَوْلِهِ، وَلَوْ سُلِّمَ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مَا ذُكِرَ هُنَا عَلَى أَنَّهُ لَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ كَلَامٌ عَقْلِيٌّ مُطَابِقٌ لِلنَّقْلِ فَيُطَابِقُ الْعَقْلَ وَالنَّقْلَ فِي مَضْمُونِهِ (فَظَنَّ بَعْضُ النَّاسِ مِنْ ظَاهِرِهِ) أَيْ ظَاهِرِ كَلَامِ مُجَاهِدٍ وَحَاتِمٍ مَثَلًا (أَنْ لَا سَرَفَ فِي الصَّدَقَةِ مُطْلَقًا) سَوَاءٌ كَانَ لَهُ ضَرُورَةُ احْتِيَاجٍ أَوْ لَا

(وَهَذَا) الظَّنُّ (فَاسِدٌ بَلْ فِيهِ تَفْصِيلٌ يَظْهَرُ مِمَّا نُورِدُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى) مِنْ قَوْلِنَا (قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [البقرة: ٣] قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ وَالْقَاضِي وَ) الْإِمَامُ الْفَخْرُ (الرَّازِيّ) صَاحِبُ التَّفْسِيرِ الْكَبِيرِ (وَغَيْرُهُمْ) لَعَلَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يُنْصِفْ فِي هَذَا التَّرْتِيبِ بَلْ لَمْ يُصِبْ فِي الِاحْتِجَاجِ قَالَ فِي مِعْيَارِ السَّعَادَةِ فَاَلَّذِينَ أَخْطَئُوا فِي الدَّلِيلِ وَالْمَدْلُولِ طَوَائِفُ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ اعْتَقَدُوا مَذَاهِبَ بَاطِلَةً، وَعَمَدُوا إلَى الْقُرْآنِ فَتَأَوَّلُوهُ عَلَى رَأْيِهِمْ وَأُصُولِ مَذْهَبِهِمْ مِثْلُ تَفْسِيرِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَيْسَانَ الْأَصَمِّ وَالْجُبَّائِيِّ وَالزَّمَخْشَرِيِّ، وَأَمْثَالِهِمْ وَمِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يَكُونُ حَسَنَ الْعِبَارَةِ يَدُسُّ الْبِدَعَ فِي كَلَامِهِ، وَأَكْثَرُ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ كَصَاحِبِ الْكَشَّافِ وَنَحْوِهِ حَتَّى قَالَ تَاجُ الدِّينِ السُّبْكِيُّ وَاعْلَمْ أَنَّ الْكَشَّافَ كِتَابٌ عَظِيمٌ فِي بَابِهِ وَمُصَنِّفَهُ إمَامٌ فِي فَنِّهِ إلَّا أَنَّهُ رَجُلٌ مُبْتَدِعٌ مُتَجَاهِرٌ بِبِدْعَتِهِ يَضَعُ مِنْ قَدْرِ النُّبُوَّةِ كَثِيرًا وَيُسِيءُ أَدَبَهُ عَلَى أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، وَالْوَاجِبُ كَشْطُ مَا فِي كِتَابِ الْكَشَّافِ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ إلَّا أَنَّ الْأَعَاجِمَ يَدْرُسُونَهَا فِي هَذَا الزَّمَانِ فَيَجِبُ مَنْعُ مَنْ لَا يَرْسَخُ فِي الشَّرِيعَةِ وَالسُّنَّةِ قَدَمُهُ عَنْهَا، وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ أَيْضًا فِي إتْقَانِ السُّيُوطِيّ.

وَقَالَ فِيهِ أَيْضًا الرَّازِيّ مَلَأَ تَفْسِيرَهُ بِأَقْوَالِ الْفَلَاسِفَةِ وَخَرَجَ مِنْ شَيْءٍ إلَى شَيْءٍ حَتَّى يَقْضِيَ النَّاظِرُ الْعَجَبَ مِنْ عَدَمِ مُطَابَقَةِ الْآيَةِ قَالَ أَبُو حَيَّانَ فِي الْبَحْرِ جَمَعَ الرَّازِيّ فِي تَفْسِيرِهِ أَشْيَاءَ كَثِيرَةً طَوِيلَةً لَا حَاجَةَ بِهَا فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ، وَلِذَلِكَ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ فِيهِ كُلُّ شَيْءٍ إلَّا التَّفْسِيرَ إلَى آخِرِ مَا قَالَ فِيهِ ثُمَّ إنَّ هَؤُلَاءِ الْمُفَسِّرِينَ شَافِعِيُّونَ، وَلَا خَيْرَ فِي الِاحْتِجَاجِ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ إذْ لَيْسَتْ الْمَسْأَلَةُ مِنْ الْخِلَافِيَّاتِ فَيَنْدَفِعُ مَا يُتَوَهَّمُ عَلَى هَذَا الِاحْتِجَاجِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ فِي دَفْعِ الْأَوَّلِ أَيْضًا إنَّ الِاحْتِجَاجَ رَاجِعٌ إلَى جِهَةِ الْعَرَبِيَّةِ، وَقَدْ اُعْتُرِفَ أَنَّهُ كِتَابٌ عَظِيمٌ فِي بَابِهِ أَيْ الْعَرَبِيَّةِ فَافْهَمْ.

(إدْخَالُ مِنْ التَّبْعِيضِيَّةِ عَلَيْهِ) أَيْ فِي قَوْله تَعَالَى {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ} [البقرة: ٣] (لِلْكَفِّ عَنْ الْإِسْرَافِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ) فَفِي الْإِنْفَاقِ أَيْ الصَّدَقَةِ سَرَفٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>