الْتِزَامَ مَا لَمْ يَلْزَمْ مَعَ وُجُودِ مَا لَزِمَ وَمُقْتَضَى عَدَمِ الْجَوَازِ وُجُوبُ الِاسْتِرْدَادِ أَوْ التَّضْمِينِ عِنْدَ الْإِهْلَاكِ سِيَّمَا الْغُرَمَاءُ وَأَنَّهُ إذَا لَمْ يَجُزْ التَّصَدُّقُ فَأَوْلَى عَدَمُ جَوَازِ هِبَتِهِ سِيَّمَا لِنَحْوِ، وَلَدِهِ وَزَوْجَتِهِ لَكِنْ لَمْ أَقِفْ.
(وَقَالَ الطَّبَرِيُّ وَغَيْرُهُ قَالَ الْجُمْهُورُ مَنْ تَصَدَّقَ بِمَالِهِ كُلِّهِ فِي صِحَّةِ بَدَنِهِ وَ) صِحَّةِ (عَقْلِهِ حَيْثُ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ وَكَانَ صَبُورًا عَلَى الْإِضَاقَةِ) مِنْ الضِّيقِ وَالْمُضَايَقَةِ (وَلَا عِيَالَ لَهُ أَوْ لَهُ عِيَالٌ يَصْبِرُونَ أَيْضًا فَهُوَ) أَيْ التَّصَدُّقُ بِكُلِّ مَالِهِ (جَائِزٌ) كَمَا «تَصَدَّقَ الصِّدِّيقُ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ بِجَمِيعِ مَالِهِ فَحَسَّنَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -» وَكَذَا رُوِيَ أَنَّهُ تَصَدَّقَ بِجَمِيعِ مَا مَعَهُ لَيْلًا وَنَهَارًا سِرًّا، وَعَلَانِيَةً حَتَّى تَخَلَّلَ بِالْعَبَاءِ، وَإِنْ قِيلَ إنَّهُ لَمْ يَجِئْ فِي الْمَرْفُوعِ (فَإِنْ فَقَدَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ كُرِهَ) تَحْرِيمًا مَعَ نَفَاذِ تَصَرُّفِهِ قَالَ فِي قَاضِي خَانْ رَجُلٌ مُحْتَاجٌ أَرَادَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِالدَّرَاهِمِ الَّتِي مَعَهُ عَلَى الْفُقَرَاءِ قَالُوا إنْ كَانَ لَوْ تَصَدَّقَ عَلَى الْفُقَرَاءِ يَصْبِرُ عَلَى الشِّدَّةِ فَالصَّدَقَةُ أَفْضَلُ، وَإِنْ كَانَ لَا يَصْبِرُ عَلَى الشِّدَّةِ فَالْإِنْفَاقُ عَلَى نَفْسِهِ أَفْضَلُ.
(وَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ) أَيْ التَّصَدُّقُ (مَرْدُودٌ) غَيْرُ نَافِذٍ أَوْ غَيْرُ مَقْبُولٍ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى (وَرُوِيَ) أَيْ مَرْدُودِيَّتُهُ (عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -) لَكِنْ يُخَالِفُ مَا فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ الْإِنْسَانُ إذَا وَقَفَ وَقْفًا، وَعَلَيْهِ دُيُونُ إلَخْ (فَظَهَرَ) مِمَّا تَقَدَّمَ (أَنَّ السَّرَفَ يَقَعُ فِي الصَّدَقَةِ أَيْضًا) كَمَا فِي غَيْرِهَا (إذَا كَانَ مَدْيُونًا، وَلَا يَفِي مَا فَضَلَ مِنْ الصَّدَقَةِ لِدَيْنِهِ أَوْ كَانَ ذَا عِيَالٍ لَا يَصْبِرُونَ) عَلَى شَدَائِدِ الْفَاقَةِ (وَلَمْ يَتْرُكْ لَهُمْ كِفَايَةً) فَيُفْضِي إلَى السُّؤَالِ وَدَوْرِ الْأَبْوَابِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ سَأَلَ النَّاسَ، وَلَهُ مَا يُغْنِيهِ جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمَسْأَلَتُهُ فِي وَجْهِهِ خُمُوشٌ أَوْ خُدُوشٌ أَوْ كُدُوحٌ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا يُغْنِيهِ قَالَ خَمْسُونَ دِرْهَمًا أَوْ قِيمَتُهَا» كَذَا نُقِلَ عَنْ تَفْسِيرِ الْبَغَوِيّ فَفُهِمَ أَنَّ الْكِفَايَةَ هَذَا الْخَمْسُونَ (أَوْ كَانَ مُحْتَاجًا لَا يَثِقُ بِنَفْسِهِ الصَّبْرَ عَلَى الْإِضَاقَةِ) أَيْ مُضَايَقَةِ الْفَقْرِ.
[الْمَبْحَثُ الْخَامِسُ فِي عِلَاجِ الْإِسْرَافِ]
(الْمَبْحَثُ الْخَامِسُ) : (فِي عِلَاجِ الْإِسْرَافِ، وَهُوَ ثَلَاثَةٌ) عِلْمِيٌّ وَعَمَلِيٌّ، وَقَلْعِيٌّ (الْأَوَّلُ عِلْمِيٌّ وَهُوَ مَعْرِفَةُ غَوَائِلِهِ السَّابِقَةِ) مِنْ مُشَارَكَةِ الشَّيْطَانِ، وَقَوْمِ لُوطٍ، وَفِرْعَوْنَ وَغَيْرِهَا (وَاسْتِمَاعُ مَا ذَكَرْنَا) فِي ذَمِّهِ مِنْ الْآيَاتِ وَالدَّلَائِلِ (وَالتَّأَمُّلُ فِيهِ) أَيْ فِيمَا ذَكَرْنَا (وَالْمُدَاوَمَةُ عَلَى التَّذَكُّرِ) حَتَّى يَنْقَلِعَ مِنْهُ.
(وَالثَّانِي عَمَلِيٌّ، وَهُوَ التَّكَلُّفُ فِي الْإِمْسَاكِ) إذَا كَانَ طَبْعُهُ عَلَى الْجُودِ (وَنَصْبُ رَقِيبٍ عَلَيْهِ) مِنْ الْأَحِبَّاءِ وَالْأَقَارِبِ (يُعَاتِبُهُ) فِيمَا أَسْرَفَ (وَيُذَكِّرُهُ آفَاتِ الْإِسْرَافِ.
وَالثَّالِثُ قَلْعِيٌّ) يَقْلَعُهُ مِنْ أَصْلِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute