عَلَى عَوْرَاتِهِ وَلَا يُضَايِقُهُ فِي وَضْعِ الْجِذْعِ عَلَى جِدَارِهِ وَلَا طَرِيقِهِ إلَى دَارِهِ وَيَسْتُرُ مَا يَنْكَشِفُ لَهُ مِنْ عَوْرَاتِهِ وَيُعِينُهُ إذَا نَابَتْهُ نَائِبَةٌ وَلَا يَغْفُلُ عَنْ تَعَهُّدِ دَارِهِ عِنْدَ غَيْبَتِهِ وَلَا يَسْتَمِعْ عَلَيْهِ كَلَامًا وَيَغُضُّ بَصَرَهُ عَنْ حُرَمِهِ وَلَا يُدِيمُ النَّظَرَ إلَى خَادِمِهِ وَيَتَلَطَّفُ لِوَلَدِهِ فِي كَلَامِهِ وَيُرْشِدُهُ إلَى مَا جَهِلَهُ مِنْ أَمْرِ دِينِهِ وَدُنْيَاهُ.
[مُجَالَسَةُ جَلِيسِ السُّوءِ]
(وَمِنْهَا مُجَالَسَةُ جَلِيسِ السُّوءِ خ م عَنْ أَبِي مُوسَى - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إنَّمَا مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَجَلِيسِ السُّوءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ» مَنْفَخَةُ الْحَدَّادِينَ. شَبَّهَ الصَّلَاحَ بِالْمِسْكِ لِطِيبِ رِيحِهِ وَعِزَّةِ وُجُودِهِ وَقُوَّةِ رَغْبَتِهِ وَالسُّوءَ بِالْكِيرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ إلَّا لِإِضْرَامِ النَّارِ وَزِيَادَةِ تَسْعِيرِهَا، وَفَصَّلَ وَجْهَ الشَّبَهِ بِقَوْلِهِ.
«فَحَامِلُ الْمِسْكِ إمَّا أَنْ يُهْدِيَك» أَيْ يَجُودُ عَلَيْك مِنْ مِسْكِهِ «وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ» أَيْ تَشْتَرِيَ «وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً» لِإِرْشَادِهِ لِلْهُدَى وَالتُّقَى إلَى أَنْ يَشْفَعُوا فِي الْآخِرَةِ بِمُجَالَسَتِهِمْ وَمَحَبَّتِهِمْ وَمُوَاسَاتِهِمْ كَمَا فِي الْحَدِيثِ «وَنَافِخُ الْكِيرِ إمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَك» أَيْ إمَّا أَنْ تُتَابِعَهُ فِي شَيْءٍ مِنْ سُوئِهِ فَيُلْهِبُ دِينَك وَحَسَنَاتِك بِنَارِ الْمَعْصِيَةِ «وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا خَبِيثَةً» أَيْ إنْ لَمْ تُتَابِعْهُ تَتَضَرَّرْ بِكَآبَةِ جَهْلِهِ وَفُحْشِهِ وَفِسْقِهِ، وَلَوْ بِمُجَرَّدِ مُجَالَسَتِهِ إذَا اتَّخَذَتْهُ خَلِيلًا وَبِالْجُمْلَةِ مَقْصُودُ الْحَدِيثِ النَّهْيُ عَنْ مُجَالَسَةِ مَنْ تُؤْذِي مُجَالَسَتُهُ دِينًا أَوْ دُنْيَا وَالتَّرْغِيبُ فِي مُجَالَسَةِ مَنْ تَنْفَعُ مُجَالَسَتُهُ فِيهِمَا، وَفِيهِ إيذَانٌ بِطَهَارَةِ الْمِسْكِ
تَجَنَّبْ قَرِينَ السُّوءِ وَاصْرُمْ حِبَالَهُ ... فَإِنْ لَمْ تَجِدْ مِنْهُ مَحِيصًا فَدَارِهِ
وَلَازِمْ حَبِيبَ الصِّدْقِ وَاتْرُكْ مِرَاءَهُ ... تَنَلْ مِنْهُ صَفْوَ الْوُدِّ مَا لَمْ تُمَارِهِ
وَلِلَّهِ فِي عَرْضِ السَّمَوَاتِ جَنَّةٌ ... وَلَكِنَّهَا مَحْفُوفَةٌ بِالْمَكَارِهِ
وَقِيلَ فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ الْجَلِيسُ الصَّالِحُ لَا يَخْلُو عَنْ ثَلَاثَةٍ إمَّا أَنْ يُعَلِّمَك مَا يُنْجِيك وَإِمَّا أَنْ تَسْأَلَهُ وَتَطْلُبَهُ وَإِمَّا أَنْ تَغْتَنِمَ بَرَكَاتِ مَجْلِسِهِ، كَمَا قِيلَ الْجُلُوسُ فِي مَجْلِسِ الْعِلْمِ خَيْرٌ مِنْ إحْيَاءِ لَيْلَةٍ وَالْجَلِيسُ السُّوءُ لَا يَخْلُو عَنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ إمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَ دِينِك وَإِمَّا أَنْ يَنْشُرَ صِيتَك بِالسُّوءِ وَالْقُبْحِ كَمَا فِي حَدِيثِ (د ت عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مَرْفُوعًا «الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ» لِأَنَّ الْمُجَاوَرَةَ مُؤَثِّرَةٌ وَالْأَخْلَاقَ سَارِيَةٌ قَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - الصُّحْبَةُ سَارِيَةٌ وَالطَّبِيعَةُ سَارِقَةٌ وَلِذَا قَالُوا فِيمَا نُسِبَ إلَى جَعْفَرٍ الصَّادِقِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - احْذَرْ عَدُوَّك مَرَّةً وَاحْذَرْ صَدِيقَك أَلْفَ مَرَّهْ مِنْ مَعَانِيهِ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَّخِذَ كُلَّ أَحَدٍ صَدِيقًا وَخَلِيلًا بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ لَهُ نَحْوُ حُسْنِ الْخُلُقِ وَحُسْنِ السِّيرَةِ وَالصَّلَاحِ وَعَدَمِ الْحِرْصِ عَلَى الدُّنْيَا وَهَذَا لَا يُوجَدُ إلَّا فِي وَاحِدٍ مِنْ أَلْفٍ، بَلْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ الْمَنْعَ عَنْ الصُّحْبَةِ بِالْكُلِّيَّةِ وَاتِّخَاذِ الْحَالَةِ لِعَدَمِ وُجُودِ الشَّرَائِطِ كَمَا قِيلَ فِيمَا سَبَقَ مِنْ وَصِيَّةِ عَلْقَمَةَ الْعُطَارِدِيِّ لِابْنِهِ اصْحَبْ مَنْ إذَا خَدَمْته صَانَك، وَإِنْ صَحِبْته زَانَك اصْحَبْ مَنْ إذَا مَدَدْت يَدَك بِخَيْرٍ مَدَّهَا، وَإِنْ رَأَى مِنْك حَسَنَةً عَدَّهَا، وَإِنْ رَأَى مِنْك سَيِّئَةً سَدَّهَا إلَى آخِرِهِ. وَفِي هَذَا الْمَعْنَى مَا قِيلَ لَا تَصْحَبْ مِنْ النَّاسِ إلَّا مَنْ يَكْتُمُ وَيَسْتُرُ عَيْبَك وَيَكُونُ مَعَك فِي النَّوَائِبِ وَيُؤْثِرُك فِي الرَّغَائِبِ وَيَنْشُرُ حَسَنَتَك وَيَطْوِي سَيِّئَتَك، فَإِنْ لَمْ تَجِدْهُ لَا تُصَاحِبْ إلَّا نَفْسَك. «فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلْ» " د ت " عَنْ أَبِي سَعِيدٍ) الْخُدْرِيِّ (- رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مَرْفُوعًا «لَا تُصَاحِبْ إلَّا مُؤْمِنًا» وَكَامِلُ الْإِيمَانِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الطِّبَاعَ سَرَّاقَةٌ، وَمِنْ ثَمَّةَ قِيلَ: صُحْبَةُ الْأَخْيَارِ تُورِثُ الْخَيْرَ وَصُحْبَةُ الْأَشْرَارِ تُورِثُ الشَّرَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute