للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَيْ الْمَالِ الَّذِي أَعْطَاهُ (وَاسْتِقْلَالُهُ) عَدُّهُ قَلِيلًا حَقِيرًا تَعْظِيمًا لِلْفَقِيرِ (لِيَقْصِدَهُ الْفَقِيرُ) يَمِيلُ إلَيْهِ وَيُرِيدُهُ (بِنَشَاطٍ وَأَمْنٍ مِنْ الْمَنِّ وَالْأَذَى) وَيَكُونُ تَرْغِيبًا لَهُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْوَقْتِ وَلِلْغَيْرِ مُطْلَقًا. وَقِيلَ الْمُرَادُ إظْهَارُ الْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ الْغُنَّ بِأَنْ يَأْخُذَ الصَّدَقَةَ كَالْمُسْتَغْنِي عَنْهَا غَيْرَ سَائِلٍ وَلَا مُلِحٍّ وَلَا مُذِلٍّ نَفْسَهُ. وَقِيلَ الْمُرَادُ بِهِ إظْهَارُ مَنْ يُرِيدُ التَّصَدُّقَ عَلَيْهِ الِاسْتِغْنَاءَ تَعَفُّفًا عَنْ أَخْذِهَا وَالْجَهْدَ عَلَى الْكَفَافِ مِنْ الْكَسْبِ؛ لِأَنَّ الْيَدَ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنْ الْيَدِ السُّفْلَى كَمَا فِي الْحَدِيثِ فَكَأَنَّهُ لَا يَرْتَكِنُ عَلَى أَخْذِ غُسَالَةِ مَالِ الْغَيْرِ كَالْهَاشِمِيِّ حَرُمَ لِجَلَالَتِهِمْ الصَّدَقَةُ عَلَيْهِمْ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ هُوَ إكْثَارُ الصَّدَقَةِ

[الْكِبْرِ جَائِزٌ فِي أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ]

(وَإِلَّا) عَطْفٌ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ السَّابِقِ (التَّكَبُّرُ بِالْمُرَاءَاةِ) بِسَبَبِ الرِّيَاءِ (بِأَسْبَابِ الدُّنْيَا) وَأَمْتِعَتِهَا (بِدُونِ الْكِبْرِ) بِأَنْ يُظْهِرَ الرَّجُلُ بِأَسْبَابِ الدُّنْيَا كِبْرًا مِنْ غَيْرِ مَيْلِ نَفْسٍ إلَى الْعُلُوِّ عَلَى الْغَيْرِ (فَإِنَّهُ) أَيْ هَذَا النَّوْعَ مِنْ الْكِبْرِ (لَيْسَ بِحَرَامٍ وَإِنْ كَانَ مَذْمُومًا) مَكْرُوهًا مِنْ الشَّرْعِ بِخِلَافِ الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ فَإِنَّهَا مَمْدُوحَةٌ (وَقَدْ مَرَّ) فِي مَبْحَثِ الرِّيَاءِ (وَسَيَجِيءُ) تَفْصِيلُهُ (إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى) .

قَالَ الْمَوْلَى الْمُحَشِّي وَالْحَاصِلُ إظْهَارُ الْكِبْرِ بِدُونِهِ فِي الْقَلْبِ جَائِزٌ فِي أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ التَّكَبُّرُ عَلَى الْمُتَكَبِّرِ وَالتَّكَبُّرُ عِنْدَ الْقِتَالِ مَعَ الْكُفَّارِ لِكَسْرِ شَوْكَتِهِمْ وَالتَّكَبُّرُ عِنْدَ الصَّدَقَةِ لِأَجْلِ قَصْدِ الْفُقَرَاءِ بِنَشَاطٍ وَالتَّكَبُّرُ بِالْمُرَاءَاةِ بِأَسْبَابِ الدُّنْيَا وَهَذَا مَذْمُومٌ وَمَكْرُوهٌ فِي الشَّرْعِ بِخِلَافِ الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ فَإِنَّهَا مَمْدُوحَةٌ انْتَهَى لَا يَخْفَى عَدَمُ الْمُلَاءَمَةِ بَيْنَ قَوْلِهِ جَائِزٌ وَبَيْنَ وَهَذَا مَذْمُومٌ وَمَكْرُوهٌ، فَالْأَوْلَى لَيْسَ بِمُحَرَّمٍ فِي أَرْبَعَةٍ نَعَمْ يَجُوزُ اجْتِمَاعُ الْجَوَازِ مَعَ الْكَرَاهَةِ حَيْثُ يُقَالُ يَجُوزُ مَعَ الْكَرَاهَةِ.

(وَإِظْهَارُ الضِّعَةِ) أَيْ التَّوَاضُعِ (بِمَا دُون مَرْتَبَتِهِ) الَّتِي اسْتَحَقَّ لَهَا شَرْعًا وَعُرْفًا بِأَنْ يُظْهِرَ ذُلَّ نَفْسِهِ عَنْ مَقَامٍ تَقْتَضِيهِ رُتْبَتُهُ (قَلِيلًا تَوَاضُعٌ مَحْمُودٌ) لِعَدَمِ الْإِفْرَاطِ وَمِنْهُ قَوْلُ ابْنِ السَّمَّاكِ لِهَارُونَ الرَّشِيدِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنَّ تَوَاضُعَك فِي شَرَفِك أَشْرَفُ لَك مِنْ شَرَفِك وَإِنْ امْرَأً آتَاهُ اللَّهُ جَمَالًا فِي خِلْقَتِهِ وَتَوَاضُعًا فِي حَسَبِهِ وَبَسْطًا فِي ذَاتِ يَدِهِ وَعَفَّ فِي جَمَالِهِ وَوَاسَى فِي مَالِهِ وَتَوَاضَعَ فِي حَسَبِهِ كُتِبَ فِي دِيوَانِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ خَوَاصِّ اللَّهِ، كَذَا فِي الْإِحْيَاءِ (وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا فَتَمَلُّقٌ) أَيْ إظْهَارُ زِيَادَةِ تَوَدُّدٍ فَوْقَ مَا يَنْبَغِي لِيَتَوَصَّلَ بِهِ لِمُرَادٍ مَا، كَمَا قِيلَ (مَذْمُومٌ) لِأَنَّ فِيهِ إذْلَالَ النَّفْسِ وَإِهَانَتَهَا بِلَا فَائِدَةٍ (إلَّا فِي طَلَبِ الْعِلْمِ) فَإِنَّهُ مَمْدُوحٌ لِأُسْتَاذِهِ وَشَيْخِهِ، وَالْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّف أَنَّ مِنْ الْعُلُومِ الدِّينِيَّةِ وَكَانَ طَلَبُهُ عَلَى الْخُلُوصِ وَلِرِضَاهُ تَعَالَى. لِمَا خَرَّجَ (عَدِيٌّ) ابْنُ عَدِيٍّ (عَنْ مُعَاذٍ) بْنِ جَبَلٍ (وَأَبِي أُمَامَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -) الْبَاهِلِيِّ (مَرْفُوعًا) مَا أُضِيفَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَاصَّةً مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ أَوْ تَقْرِيرٍ مُتَّصِلًا أَوْ مُنْقَطِعًا.

فَالْمُتَّصِلُ قَدْ يَكُونُ مَرْفُوعًا وَغَيْرَ مَرْفُوعٍ، وَالْمَرْفُوعُ قَدْ يَكُونُ مُتَّصِلًا وَغَيْرَ مُتَّصِلٍ وَالْمُسْنَدُ مُتَّصِلٌ مَرْفُوعٌ «لَيْسَ مِنْ أَخْلَاقِ الْمُؤْمِنِ التَّمَلُّقُ» أَيْ الزِّيَادَةُ فِي التَّرَدُّدِ وَالتَّضَرُّعِ فَوْقَ مَا يَنْبَغِي لِيُسْتَخْرَجَ مِنْ الْإِنْسَانِ مُرَادُهُ، وَزِيدَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عَلَى رِوَايَةِ مُعَاذٍ عَنْ الْبَيْهَقِيّ «وَلَا الْحَسَدُ» «إلَّا فِي طَلَبِ الْعِلْمِ» فَإِنَّ الْمُتَعَلِّمَ يَنْبَغِي لَهُ التَّمَلُّقُ لِمُعَلِّمِهِ وَإِظْهَارُ الشَّرَفِ بِخِدْمَتِهِ وَأَنْ يُلْقِيَ إلَيْهِ زِمَامَ أَمْرِهِ وَيَذْعَنَ لِنُصْحِهِ إذْعَانَ الْمَرِيضِ الْجَاهِلِ لِلطَّبِيبِ الْمُشْفِقِ الْحَاذِقِ، صَلَّى زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ عَلَى جِنَازَةٍ فَقُرِّبَتْ لَهُ بَغْلَتُهُ لِيَرْكَبَ فَأَخَذَ ابْنُ عَبَّاسٍ بِرِكَابِهِ، فَقَالَ زَيْدٌ خَلِّ عَنْهُ يَا ابْنَ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ فَقَالَ هَكَذَا أُمِرْنَا أَنْ نَفْعَلَ بِعُلَمَائِنَا فَقَبَّلَ زَيْدٌ يَدَهُ وَقَالَ هَكَذَا أُمِرْنَا أَنْ نَفْعَلَ بِأَهْلِ بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -

قَالَ الْحَلَبِيُّ التَّمَلُّقُ لِغَيْرِ الْمُعَلِّمِ مِنْ أَفْعَالِ أَهْلِ الذِّلَّةِ وَالضِّعَةِ وَمِمَّا يُزْرِي بِفَاعِلِهِ وَيَدُلُّ عَلَى سَقَاطَتِهِ وَقِلَّةِ مِقْدَارِ نَفْسِهِ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُهِينَ نَفْسَهُ كَمَا لَيْسَ لِغَيْرِهِ أَنْ يُهِينَهُ، ثُمَّ.

قَالَ الْمُنَاوِيُّ: طَعْنًا عَلَى مُصَنِّفِهِ هَذَا الْحَدِيثُ ضَعِيفٌ عِنْدَ الْبَيْهَقِيّ وَحَكَمَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ بِوَضْعِهِ فَاضْمَحَلَّ مَا قِيلَ هُنَا وَلِلْحَدِيثِ إسْنَادَانِ وَرِجَالُهُمَا ثِقَاتٌ فَاحْتِجَاجُ الْمُصَنِّفِ عَلَى طَرِيقِ الْوَضْعِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ أَصْلًا وَعَلَى طَرِيقِ الضَّعْفِ أَيْضًا لَيْسَ بِتَامٍّ إلَّا أَنْ يُقَالَ الضَّعْفُ وَالْوَضْعُ عَلَى طَرِيقِ مُعَاذٍ كَمَا نَبَّهَ آنِفًا فَيَجُوزُ صِحَّتُهُ عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>