للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَعَنْ شُرُوحِ الْهِدَايَةِ اخْتَرَعَتْهُ أَكَلَةُ الرِّبَا أَوْرَدَ عَلَيْهِ الْمَوْلَى أَخِي جَلْبِي أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِتَصْرِيحِ قَاضِي خَانَ حَيْثُ قَالَ بَعْدَ تَعْدَادِ صُورَةِ الْعِينَةِ وَمِثْلُ هَذَا مَرْوِيٌّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ أَمَرَ بِذَلِكَ قَالَ مَشَايِخُ بَلْخٍ بَيْعُ الْعِينَةِ فِي زَمَانِنَا خَيْرٌ مِنْ الْبُيُوعِ الَّتِي تَجْرِي فِي أَسْوَاقِنَا وَهِيَ الَّتِي ذَكَرَهَا مُحَمَّدٌ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ الْعِينَةُ جَائِزَةٌ مَأْجُورَةٌ لِمَكَانِ الْفِرَارِ مِنْ الْحَرَامِ وَذَكَرَ الزَّاهِدِيُّ الِاحْتِيَالُ لِلْفِرَارِ مِنْ الْحَرَامِ مَنْدُوبٌ، ثُمَّ قَالَ مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ لَا يَحُومُ حَوْلَ هَذِهِ الْمُبَايَعَةِ وَلَا يَحْكُمُ بِحِلِّهَا وَحُرْمَتِهَا انْتَهَى مُلَخَّصًا، وَقِيلَ الْمَأْجُورِيَّةُ لِلْفِرَارِ لَا تُنَافِي الْكَرَاهَةَ فِي نَفْسِهَا وَكَذَا الْخَيْرِيَّةُ مِمَّا فِي الْأَسْوَاقِ لَا تُوجِبُ الْخَيْرِيَّةَ فِي نَفْسِهَا فَيَجُوزُ كَرَاهَتُهَا فِي نَفْسِهَا إذْ أَكْثَرُ بُيُوعَاتِ الْأَسْوَاقِ فَاسِدَاتٌ أَوْ بَاطِلَاتٌ أَوْ رِبَوِيَّاتٌ صِرْفَةً وَالْعِينَةُ وَإِنْ مَكْرُوهَةٌ فِي نَفْسِهَا لَكِنَّهَا لَيْسَتْ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ انْتَهَى.

لَكِنْ إنْ سَلِمَ ذَلِكَ يَبْقَى قَوْلُ قَاضِي خَانْ أَنَّهَا مَرْوِيَّةٌ وَأَمَرَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِذَلِكَ، وَعَنْ الْبَزَّازِيَّةِ طَلَبَ مِنْ آخَرَ قَرْضًا بِالرِّبْحِ فَبَاعَ الْمُسْتَقْرِضُ الْمُقْرِضَ عَرَضًا بِعَشَرَةٍ قِيمَتُهُ عَشَرَةٌ وَسَلَّمَ إلَيْهِ، ثُمَّ بَاعَهُ الْمُقْرِضُ مِنْهُ بِاثْنَيْ عَشَرَ وَسَلَّمَهُ إلَيْهِ يَجُوزُ، وَفِي النُّقَايَةِ كُلُّ حِيلَةٍ لَا تُؤَدِّي إلَى ضَرَرٍ تَجُوزُ تَخَلُّصًا مِنْ الرِّبَا وَلَا يَأْثَمُ بِذَلِكَ، وَإِنْ كَانَتْ تُؤَدِّي إلَى الضَّرَرِ لَا تَجُوزُ فِي الدِّيَانَةِ، وَإِنْ جَازَتْ فِي الْفَتْوَى كَمَا رُوِيَ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ لِرَجُلٍ اشْتَرَى صَاعًا مِنْ تَمْرٍ جَيِّدٍ بِصَاعَيْنِ مِنْ تَمْرٍ رَدِيءٍ هَلَّا بِعْت تَمْرَك بِسِلْعَةٍ، ثُمَّ ابْتَعْت بِسِلْعَتِك تَمْرًا» انْتَهَى.

أَقُولُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ لَعَلَّ الرُّجْحَانَ فِي جَانِبِ قَاضِي خَانْ إذْ سَمِعْت إطْلَاقَ الرِّوَايَةِ عَنْ مُحَمَّدٍ وَمَعَ الْمَأْجُورِيَّةِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمَعَ الْخَيْرِيَّةِ عَنْ مَشَايِخِ بَلْخٍ وَغَيْرِهَا وَكَوْنَهُ مَرْوِيًّا وَمَأْمُورًا مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْجَوَازَ الْمُطْلَقَ مِنْ الْبَزَّازِيَّةِ وَعَدَمَ الْإِثْمِيَّةِ مِنْ مَنْقُولِهِ عَنْ النُّقَايَةِ، وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ، وَأَيْضًا وَقَعَ بِإِطْلَاقِ الْجَوَازِ عَنْ السِّرَاجِيَّةِ فِي الثَّالِثَ عَشَرَ مِنْ حِيَلِ التَّتَارْخَانِيِّ وَلَا يَخْفَى أَنَّ قَاضِي خَانْ لَا يَتَأَخَّرُ فِي الْقُوَّةِ وَالرُّتْبَةِ عَنْ الْهِدَايَةِ لَا سِيَّمَا، وَقَدْ وَقَعَ فِي حُجَّتِهِ صَاحِبُ الْمَذْهَبِ كَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ، ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ تَعْلِيلَ الْهِدَايَةِ لَا يَخْلُو عَنْ ضَعْفٍ إذْ لُزُومُ الْكَرَاهَةِ الْمَطْلُوبَةِ مِنْ تَرْكِ النَّدْبِ الَّذِي هُوَ مَبَرَّةُ الْإِحْسَانِ فِي غَايَةِ الْخَفَاءِ، وَأَمَّا الْحَدِيثُ فَقَائِمٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ عَلَى أَنَّ لَفْظَ الْعِينَةِ فِي الْحَدِيثِ لَيْسَ بِصَرِيحِ الدَّلَالَةِ لِجَوَازِ أَنْ يُرَادَ مُطْلَقُ التَّعْيِينِ الَّذِي اقْتَضَاهُ الْبَيْعُ مُشِيرًا إلَى عَدَمِ جَوَازِ بَيْعِ الْمَجْهُولِ عَلَى أَنْ يَكُونَ حَاصِلُ الْمَعْنَى إذَا اشْتَغَلْتُمْ بِالْبُيُوعِ وَالتِّجَارَاتِ وَالْمُزَارَعَةِ وَتَرَكْتُمْ الْجِهَادَ إلَى آخِرِهِ وَلَوْ سُلِّمَ يَجُوزُ كَوْنُ الْمَنْعِ لِمَصْلَحَةِ الْجِهَادِ لِقِلَّةِ الْإِسْلَامِ، فَإِذَا ارْتَفَعَ الْمَنْعُ فِي حَقِّ الْمُزَارَعَةِ لِكَثْرَةِ الْإِسْلَامِ فَلْيَرْتَفِعْ فِي حَقِّ الْعِينَةِ تَوْفِيقًا لِلرِّوَايَاتِ لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُفْتَى بِجَوَازِ رُتْبَةِ الْغَبْنِ الْفَاحِشِ صِيَانَةً لِلْفُقَرَاءِ إذْ أَكْثَرُ مِنْ يُبْتَلَى بِهِ لَيْسَ إلَّا الْفُقَرَاءُ وَهُمْ مُضْطَرُّونَ يَشْتَرُونَ بِالْغَالِي لَعَلَّ لِهَذَا وَرَدَ النَّهْيُ السُّلْطَانِيُّ أَنْ يُزَادَ عَلَى وَاحِدٍ وَنِصْفٍ فِي الْعَشَرَةِ وَوَرَدَ عَلَيْهِ فَتَاوَى مَشَايِخِ الْمُسْلِمِينَ وَأَفْتَى أَنَّ مَنْ لَمْ يَنْتَهِ بِهَذَا النَّهْيِ وَلَمْ يَعْمَلْ بِهَذِهِ الْفَتْوَى يُعَزَّرُ شَدِيدًا وَيُحْبَسُ مَدِيدًا إلَى أَنْ يَظْهَرَ صَلَاحُهُ وَتَوْبَتُهُ وَيَسْتَرِدَّ الزِّيَادَةَ الَّتِي أَخَذَ وَلَوْ بِالتَّرَاضِي، وَمِثْلُهُ أَمْرُ السَّلَمِ كَمَا فِي مَعْرُوضَاتِ أَبِي السُّعُودِ الْعِمَادِيِّ وَكَذَا يَسْتَرِدُّ فِي السَّنَةِ الَّتِي لَمْ يَقَعْ فِيهَا دَوْرٌ شَرْعِيٌّ وَإِلْزَامُ رِبْحٍ وَلَوْ وَقَعَ فِي الِابْتِدَاءِ مَرَّةً وَلَوْ كَانَ مِنْ الْأَوْقَاتِ الَّتِي تُعُورِفَتْ بِالدَّوْرِ أَوْ مِنْ أَمْوَالِ الصِّغَارِ وَبِالْجُمْلَةِ لَا يَجُوزُ أَخْذُ الرِّبْحِ بِلَا دَوْرٍ مُطْلَقًا، وَأَمَّا الزِّيَادَةُ عَلَى وَاحِدٍ وَنِصْفٍ فِي الْعَشَرَةِ فَلَا يُسْمَعُ دَعْوَاهُ لِلْمَنْعِ السُّلْطَانِيِّ الْوَاقِع

لِمَصْلَحَةِ

الرَّعِيَّةِ الْوَاجِبِ اتِّبَاعُهُ، وَإِنْ كَانَ مُبَاحًا فِي الْأَصْلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فَمَا اخْتَارَهُ هُوَ طَرِيقُ الْوَرَعِ إذْ أَقَلُّ دَرَجَةِ الِاخْتِلَافِ الشُّبْهَةُ كَمَا مَرَّ مِرَارًا وَيُقَرِّبُهُ مَا قِيلَ إنَّمَا الْمَنْعُ لِمُرِيدِ تَكْثِيرِ الْمَالِ بِلَا احْتِيَاجٍ.

[نِسْيَانُ الْقُرْآنِ بَعْدَ تَعَلُّمِهِ]

(وَمِنْهَا نِسْيَانُ الْقُرْآنِ بَعْدَ تَعَلُّمِهِ) مِنْ الْقِرَاءَةِ مِنْ الْمُصْحَفِ لَا عَنْ ظَهْرِ الْقَلْبِ، وَإِنْ ذَهَبَ إلَيْهِ بَعْضٌ فَلَا يَدْخُلُ فِي الْوَعِيدِ مَنْ حَفِظَ سُورَةً مَثَلًا، ثُمَّ نَسِيَهَا إنْ قَدَرَ عَلَى الْقِرَاءَةِ مِنْ الْمُصْحَفِ كَمَا مَرَّ (د ت عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مَرْفُوعًا «عُرِضَتْ عَلَيَّ» لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ أَوْ فِي وَقْتِ

<<  <  ج: ص:  >  >>