للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالتَّرَحُّمِ عَلَى صَغِيرِهِمْ، وَالتَّوْقِيرِ عَلَى كَبِيرِهِمْ، وَتَذْكِيرِ الْآخِرَةِ بِالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَأَنْ يُحِبَّ لَهُمْ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ وَيَكْرَهَ لَهُمْ مَا يَكْرَهُ لِنَفْسِهِ، وَيُعِينُهُمْ بِالنَّفْسِ وَالْمَالِ وَالْقَوْلِ وَيَدْفَعُ الْمُؤْذِيَاتِ مَا قَدَرَ ثُمَّ بَدَأَ أَوَّلًا بِاَللَّهِ؛ لِأَنَّ الدِّينَ لَهُ حَقِيقَةٌ وَثَنَّى بِكِتَابِهِ الصَّادِرِ بِبَيَانِ أَحْكَامِهِ الْمُعْجِزِ بِبَدِيعِ نِظَامِهِ وَثَلَّثَ بِمَا يَتْلُو كَلَامَهُ فِي الرُّتْبَةِ وَهُوَ رَسُولُهُ الْهَادِي لِدِينِهِ الْمُوقِفُ عَلَى أَحْكَامِهِ الْمُفَصِّلُ لِمُجْمَلِ شَرِيعَتِهِ وَرَبَّعَ بِأُولِي الْأَمْرِ الَّذِينَ هُمْ خُلَفَاءُ الْأَنْبِيَاءِ الْقَائِمُونَ بِسُنَّتِهِمْ ثُمَّ خَمَّسَ بِالتَّعْمِيمِ.

قِيلَ النَّاصِحُ فِي دِينِ اللَّهِ يَحْتَاجُ إلَى عِلْمٍ وَعَقْلٍ وَفِكْرٍ صَحِيحٍ وَرَوِيَّةٍ حَسَنَةٍ وَاعْتِدَالِ مِزَاجٍ وَتُؤْدَةٍ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ فِيهِ هَذِهِ الْخِصَالُ فَالْخَطَأُ أَسْرَعُ إلَيْهِ مِنْ الْإِصَابَةِ وَمَا فِي مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ أَدَقُّ وَلَا أَخْفَى وَلَا أَعْظَمُ مِنْ النَّصِيحَةِ. ثُمَّ قَالُوا هَذَا الْحَدِيثُ وَإِنْ أُوجِزَ لَفْظًا أُطْنِبَ مَعْنًى؛ لِأَنَّ سَائِرَ الْكَلَامِ دَاخِلٌ تَحْتَ كَلِمَةٍ أَصْلًا وَفَرْعًا وَعَمَلًا وَاعْتِقَادًا فَمَنْ آمَنَ بِهِ وَعَمِلَ بِمَضْمُونِهِ جَمَعَ الشَّرِيعَةَ بِأَسْرِهَا، أَكْثَرُ مَا ذُكِرَ فِي الْحَدِيثِ عُصَارَةُ فَيْضِ الْقَدِيرِ وَأَكْمَلُ الْمَشَارِقِ (طب) الطَّبَرَانِيُّ (عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَنْ لَا يَهْتَمُّ بِأَمْرِ الْمُسْلِمِينَ» بِصَرْفِ هِمَّتَهُ وَبَذْلِ طَوْقِهِ فِي إرْشَادِهِمْ وَتَعْلِيمِهِمْ وَحِمَايَتِهِمْ وَفَصْلِ خُصُومَتِهِمْ وَتَأْدِيبِ سُفَهَائِهِمْ وَجَمْعِ تَفْرِقَتِهِمْ وَرَفْعِ بُغْضِهِمْ وَعَدَاوَتِهِمْ وَإِصْلَاحِ مَفْسَدَتِهِمْ «فَلَيْسَ مِنْهُمْ» أَيْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّهُ إمَّا غَاشٌّ لَهُمْ أَوْ سَاعٍ فِي حُظُوظِ نَفْسِهِ أَوْ غَيْرِ مُبَالٍ بِحُدُودِهِ تَعَالَى وَأَحْكَامِ رَسُولِهِ، وَهَذِهِ لَيْسَتْ مِنْ صِفَاتِ الْمُسْلِمِينَ لَعَلَّ الْمُرَادَ نَفْيُ الْكَمَالِ «وَمَنْ لَمْ يُصْبِحْ وَيُمْسِ» أَيْ يَدْخُلُ فِي الصَّبَاحِ وَالْمَسَاءِ يَعْنِي يَدُومُ لَيْلًا وَنَهَارًا «نَاصِحًا» بِالْقَلْبِ وَالْقَوْلِ وَالْعَمَلِ « (لِلَّهِ تَعَالَى وَلِرَسُولِهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِإِمَامِهِ» أَيْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ إذْ بَعْضُ الْحَدِيثِ يُفَسِّرُ بَعْضَهُ «وَلِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ» أَيْ جَمِيعِهِمْ فِي إعَادَةِ الْجَارِّ فِي الْمَوَاضِعِ تَنْبِيهٌ عَلَى اسْتِقْلَالِ كُلٍّ فِي النُّصْحِ وَعَدَمِ كِفَايَةِ الْإِتْيَانِ بِبَعْضِ وَعَلَى لُزُوم الِاهْتِمَامِ فِي كُلٍّ وَعَكْسُ التَّرْتِيبِ هُنَا بَيْنَ الرَّسُولِ وَالْكِتَابِ؛ لِأَنَّ الرَّسُولَ هُوَ الْمَقْصُودُ فِي التَّبْلِيغِ وَإِنَّ ظُهُورَ الْكِتَابِ إلَى الْأُمَّةِ بِتَوَسُّطِ الرَّسُولِ.

وَفِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ رُوعِيَ إلَى تَرْتِيبِ الْوُجُودِ الْخَارِجِيِّ أَوْ أَنَّهُ صِفَتُهُ تَعَالَى فَيَنْبَغِي أَنْ يُتَابِعَ مَوْصُوفَهُ تَعَالَى أَوْ أَنَّ ظُهُورَ الرِّسَالَةِ بِإِعْجَازِهِ فَكَأَنَّهُ مُقَدَّمٌ عَلَى ظُهُورِهِ «فَلَيْسَ مِنْهُمْ» مِنْ كَامِلِيهِمْ لَا يَخْفَى أَنَّ أَوَّلَ الْحَدِيثِ كَالْمُجْمَلِ وَآخِرَهُ كَالْمُفَسَّرِ إيَّاهُ فَكَأَنَّهُ فَسَّرَ الِاهْتِمَامَ بِأَمْرِهِمْ بِمُدَاوَمَةِ نُصْحِهِمْ لَيْلًا وَنَهَارًا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ إلَى آخِرِهِ. وَأَمَّا مَعَانِي هَذِهِ النَّصَائِحِ مُفَصَّلَةٌ فَمَشْرُوحَةٌ فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ ظَاهِرَ هَذَا الْحَدِيثِ أَدُلُّ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الْمَقْصُودِ الَّذِي هُوَ وُجُوبُ النُّصْحِ حَيْثُ نَفَى الْإِسْلَامَ مَرَّتَيْنِ فِيمَنْ تَرَكَ النُّصْحَ فَدَلَالَتُهُ بِالْمُطَابَقَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى دَلَالَةِ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ فَالْأَوْلَى عَكْسُ التَّرْتِيبِ لَعَلَّهُ نَظَرَ إلَى قُوَّةِ مَخْرَجِهِ إذْ قَالَ أَهْلُ الْأُصُولِ ثَبَتَ الْوُجُوبُ بِالْخَبَرِ الْوَاحِدِ فِي حَدِيثِ الشَّيْخَيْنِ وَهُوَ فِي قُوَّةِ الْخَبَرِ الْمَشْهُورِ فَيَنْدَفِعُ أَنَّ الْمَطْلُوبَ هُوَ الْوُجُوبُ وَالدَّلِيلُ هُوَ خَبَرُ الْوَاحِدِ وَخَبَرُ الْوَاحِدِ لَا يُفِيدُ الْوُجُوبَ فَمِنْ قَبِيلٍ عَامٍّ خُصَّ مِنْهُ الْبَعْضُ

[الْمَبْحَثُ الثَّانِي مِنْ الْأَرْبَعَةِ فِي غَوَائِلِ الْحَسَدِ]

(الْمَبْحَثُ الثَّانِي)

مِنْ الْأَرْبَعَةِ (فِي غَوَائِلِ الْحَسَدِ) مِنْ غَالَهُ غَوْلًا أَهْلَكَهُ وَاغْتَالَهُ قَتَلَهُ عَلَى غِرَّةٍ وَالِاسْمُ الْغِيلَةُ وَالْغَائِلَةُ الْفَسَادُ وَالشَّرُّ وَغَائِلَةُ الْعَبْدِ فُجُورُهُ وَإِبَاقُهُ وَالْجَمْعُ الْغَوَائِلُ. وَقَالَ الْكِسَائِيُّ الْغَوَائِلُ الدَّوَاهِي كَذَا نُقِلَ عَنْ الْمِصْبَاحِ (وَمِنْهُ) أَيْ مِنْ هَذَا الْمَبْحَثِ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ فَمِنْهُ بِالْفَاءِ إذْ التَّفْرِيعُ خَفِيٌّ وَالتَّفْسِيرُ بَعِيدٌ كَالتَّفْصِيلِ (يُعْرَفُ الْعِلَاجُ الْإِجْمَالِيُّ وَهِيَ ثَمَانِيَةٌ: الْأَوَّلُ إفْسَادُ الطَّاعَاتِ) قَدْ سَمِعْت غَيْرَ مَرَّةٍ أَنَّ حَبْطَ الْأَعْمَالِ لَيْسَ بِثَابِتٍ عِنْدَ أَهْلِ الْحَقِّ فَانْظُرْ أَوْ ارْجِعْ إلَى مَا سَبَقَ (د) أَبُو دَاوُد (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -

<<  <  ج: ص:  >  >>