وَبِالْجُمْلَةِ فَعَلَيْهِ عِنْدَ الْخُصُومَةِ الضَّرُورِيَّةِ طِيبُ الْكَلَامِ وَالرِّفْقُ فِي أَدَاءِ الْمَرَامِ بِلَا تَغْلِيظٍ وَلَا تَشْدِيدٍ وَلَا خُشُونَةٍ وَلَا عَبُوسَةٍ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} [البقرة: ٨٣]- وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ» (خ م عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -) وَعَنْ أَبَوَيْهَا (أَنَّهُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ أَبْغَضَ الرِّجَالِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى الْأَلَدُّ» بِتَشْدِيدِ الدَّالِ شَدِيدُ الْخُصُومَةِ (الْخَصِمُ) بِكَسْرِ الصَّادِ شَدِيدُ الْخُصُومَةِ كَمَا نُقِلَ عَنْ الْجَوْهَرِيِّ فَيَكُونُ صِفَةَ تَأْكِيدٍ لَكِنَّ الْمَطْلُوبَ مُطْلَقُ الْخُصُومَةِ وَمَا يَحْصُلُ مِنْ الْحَدِيثِ الْخُصُومَةُ الشَّدِيدَةُ بَلْ الْأَكِيدَةُ يَعْنِي الْمَمْنُوعُ بِالْحَدِيثِ مَا تَكُونُ مُشْتَدَّةً وَالْمَطْلُوبُ مُطْلَقٌ وَلَوْ لَمْ تَكُنْ شَدِيدَةً لَا يَتِمُّ تَقْرِيبُهُ لَا سِيَّمَا قِيلَ فِي شَرْحِهِ الْمُرَادُ مِنْ الْخُصُومَةِ فِي الْحَدِيثِ إنْكَارُ الْبَعْثِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى - {فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ} [يس: ٧٧]- إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْمُقَايَسَةِ أَوْ الدَّلَالَةِ بِالنَّصِّ فَتَأَمَّلْ (ت عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «كَفَى بِك إثْمًا أَنْ لَا تَزَالَ مُخَاصِمًا» لِأَنَّ كَثْرَةَ الْمُخَاصَمَةِ تُفْضِي غَالِبًا إلَى مَا يَذُمُّ صَاحِبَهُ وَقَدْ وَرَدَ التَّرْغِيبُ فِي تَرْكِ الْمُخَاصَمَةِ قَالَ دَاوُد - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِابْنِهِ يَا بُنَيُّ إيَّاكَ وَالْمِرَاءَ فَإِنَّ نَفْعَهُ قَلِيلٌ وَهُوَ يُهَيِّجُ الْعَدَاوَةَ بَيْنَ الْإِخْوَانِ وَعَنْ بَعْضٍ مَا رَأَيْت شَيْئًا أَذْهَبَ لِلدِّينِ وَلَا أَنْقَصَ لِلْمُرُوءَةِ وَلَا أَضْيَعَ لِلَّذَّةٍ وَلَا أَشْعَلَ لِلْقَلْبِ مِنْ الْخُصُومَةِ فَإِنْ قِيلَ لَا بُدَّ مِنْ الْخُصُومَةِ لِاسْتِيفَاءِ الْحُقُوقِ فَالْجَوَابُ أَنَّ الذَّمَّ الْمُتَأَكِّدَ إنَّمَا هُوَ خَاصٌّ بِبَاطِلٍ أَوْ بِغَيْرِ عِلْمٍ لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّ ظَوَاهِر النُّصُوص مُطْلَقَةٌ وَلَا بُدَّ لِتَقْيِيدِ الْمُطْلَقِ مِنْ بَيَانٍ لَعَلَّ النُّصُوصَ الْوَارِدَةَ لِاسْتِيفَاءِ الْحُقُوقِ تَصْلُحُ مُقَيَّدَةً بِمِثْلِ هَذَا فَافْهَمْ وَقَالَ بَعْضُ الْعَارِفِينَ إذَا رَأَيْت الرَّجُلَ لَجُوجًا مُرَائِيًا مُعْجَبًا بِرَأْيِهِ فَقَدْ تَمَّتْ خَسَارَتُهُ ثُمَّ قِيلَ الْحَدِيثُ غَرِيبٌ وَقِيلَ ضَعِيفٌ كَمَا فِي الْفَيْضِ (دُنْيَا صف عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ جَادَلَ فِي خُصُومَةٍ» تَعَصُّبًا لَا بِحَقٍّ كَمَا عَرَفْت «بِغَيْرِ عِلْمٍ لَمْ يَزَلْ فِي سَخَطِ اللَّهِ تَعَالَى حَتَّى يَنْزِعَ» أَيْ يَتْرُكَ ذَلِكَ وَيَتُوبَ مِنْهُ تَوْبَةً صَحِيحَةً وَأَخَذَ مِنْهُ الذَّهَبِيُّ أَنَّ الْجِدَالَ بِغَيْرِ عِلْمٍ مِنْ الْكَبَائِرِ قَالَ الْغَزَالِيُّ الْمِرَاءُ طَعْنٌ فِي كَلَامِ الْغَيْرِ لِإِظْهَارِ خَلَلٍ وَالْجِدَالُ عِبَارَةٌ عَنْ مِرَاءٍ يَتَعَلَّقُ بِإِظْهَارِ الْمَذْهَبِ وَتَقْرِيرِهَا وَالْخُصُومَةُ لَجَاجُ الْكَلَامِ لِيُسْتَوْفَى بِهِ مَالٌ أَوْ حَقٌّ مَقْصُودٌ وَيَكُونُ ذَلِكَ ابْتِدَاءً وَيَكُونُ اعْتِرَاضًا وَالْمِرَاءُ لَا يَكُونُ بِاعْتِرَاضٍ قِيلَ عَنْ الْبَيْهَقِيّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إيَّاكُمْ وَمُشَارَّةَ النَّاسِ فَإِنَّهَا تَدْفِنُ الْغُرَّةَ وَتُظْهِرُ الْعَرَّةَ» وَالْمُشَارَّةُ الْمُخَاصَمَةُ مُفَاعَلَةٌ مِنْ الشَّرِّ وَالْغُرَّةُ بِضَمِّ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ الْحُسْنُ وَقِيلَ الْعَمَلُ الصَّالِحُ وَالْعَرَّةُ بِالْمُهْمَلَةِ الْعَيْبُ أَيْ تُخْفِي الْمَحَاسِنَ وَتُظْهِرُ الْمَعَايِبَ
[السَّابِعَ عَشَرَ الْغِنَاءُ]
(السَّابِعَ عَشَرَ الْغِنَاءُ) أَيْ التَّغَنِّي (قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ} [لقمان: ٦] قِيلَ عَنْ بَعْضِ الْمُفَسِّرِينَ هُوَ الْغِنَاءُ حَتَّى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute