أَحَاطَ بِكُلِّ النِّعَمِ (وَرَازِقِهِ) بِأَنْوَاعِ الْأَرْزَاقِ (وَهَادِيهِ) إلَى أَنْوَاعِ الْخَيْرَاتِ وَالطَّاعَاتِ (وَمُنْجِيهِ) مِنْ الْمَصَائِبِ وَالْبَلِيَّاتِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ (بِتَرْكِ الْأَوَامِرِ) فَرْضًا أَوْ وَاجِبًا (الْإِلَهِيَّةِ) فَإِنَّ أَكْثَرَهَا مِنْ الْقُرْآنِ (وَالسُّنَنِ الْمُحَمَّدِيَّةِ) يَشْمَلُ النَّدْبَ (وَيَسْتَحْيِي مِنْ الْمَخْلُوقِ الْعَاجِزِ) فَإِنَّ النَّافِعَ وَالضَّارَّ، وَكَذَا الْمُعْطِي وَالْمَانِعَ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى (لِطَلَبِ ثَنَائِهِمْ) الْأَوْلَى ثَنَائِهِ إذْ هُوَ رَاجِعٌ إلَى الْمَخْلُوقِ فَلَعَلَّهُ أَرْجَعَهُ بِاعْتِبَارِ الِاسْتِغْرَاقِ (وَرِضَاهُمْ وَحُطَامِهِمْ) قِيلَ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ الْأُولَى وَتَخْفِيفِ الثَّانِيَةِ هُوَ الْمَالُ الْحَرَامُ (وَيَفِرُّ) مِنْ الْفِرَارِ (مِنْ تَعْيِيرِهِمْ، وَلَا يَفِرُّ مِنْ الْعَذَابِ الْأَلِيمِ) وَاَللَّهُ أَحَقُّ أَنْ يُخْشَى بِتَرْكِ أَوَامِرِهِ (وَلَا مِنْ حِرْمَانِ الشَّفَاعَةِ) بِتَرْكِ سُنَنِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَإِنَّ تَرْكَ السُّنَنِ مُوجِبٌ لِاسْتِحْقَاقِ حِرْمَانِهَا، وَإِنْ جَازَ شَفَاعَتُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِمُجَرَّدِ إحْسَانِهِ، وَكَرَمِهِ فَيَنْدَفِعُ مَا أُورِدَ عَلَى مِثْلِهِ بِنَحْوِ حَدِيثِ «شَفَاعَتِي لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِي» فَإِنَّهُ إذَا شَفَعَ لَهُمْ فَكَيْفَ لِتَارِكِي سُنَّتِهِ، وَهُوَ لَيْسَ بِكَبِيرَةٍ اتِّفَاقًا بَلْ مَكْرُوهٌ تَحْرِيمًا أَوْ تَنْزِيهًا، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ نَحْوُ حَدِيثِ «مَنْ تَرَكَ سُنَّتِي لَمْ يَنَلْ شَفَاعَتِي» (فَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ ذَلِكَ) قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي بَعْضِ رَسَائِلِهِ فَهَلْ تَرْضَى لِنَفْسِك أَيُّهَا الْأَخُ الْعَاقِلُ أَنْ تُحْرَمَ مِنْ شَفَاعَةِ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ وَحَبِيبِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الَّتِي يَرْجُوهَا وَيَطْلُبُهَا كُلُّ الْخَلَائِقِ حَتَّى الْأَوْلِيَاءِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وَالنَّبِيِّينَ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَأَيُّ عَمَلٍ مَقْبُولٍ يُنْجِيك مِنْ عَذَابِ اللَّهِ وَسَخَطِهِ وَيُدْخِلُك الْجَنَّةَ إنْ لَمْ تَنَلْك شَفَاعَةُ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ، وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا إلَى آخِرِ مَا قَالَ.
[السَّابِعُ وَالثَّلَاثُونَ الْجَزَعُ وَالشَّكْوَى]
(السَّابِعُ وَالثَّلَاثُونَ) : (الْجَزَعُ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَالزَّايِ (وَالشَّكْوَى) عَطْفُ تَفْسِيرٍ وَقِيلَ الْجَزَعُ قِلَّةُ الصَّبْرِ وَضَعْفُ الْهِمَّةِ عَنْ حَمْلِ مَا نَزَلَ بِهِ وَالشَّكْوَى التَّظَلُّمُ مِمَّا يُلَائِمُهُ مِنْ الْمَضَرَّاتِ (وَهُوَ عَدَمُ تَحَمُّلِ الْمِحَنِ) جَمْعُ مِحْنَةٍ الْبَلِيَّةُ (وَالْمَصَائِبِ، وَإِظْهَارُهُمَا) أَيْ الْمِحَنِ وَالْمَصَائِبِ (قَوْلًا أَوْ فِعْلًا تَضَجُّرًا) مِنْهُمَا قَالَ الْمُحَشِّي أَمَّا الْإِظْهَارُ لَا عَلَى سَبِيلِ التَّضَجُّرِ كَالْإِظْهَارِ لِلطَّبِيبِ لِلْعِلَاجِ أَوْ لِأَجْلِ الِاعْتِذَارِ أَوْ تَسْلِيَةِ الْغَيْرِ بِنَاءً عَلَى خُلْفِ الْوَعْدِ فَلَيْسَ بِجَزَعٍ وَقَدْ يَكُونُ بَاعِثًا لِإِظْهَارِ الرِّيَاءِ تَدَبَّرْ انْتَهَى (وَضِدُّهُ) أَيْ الْجَزَعِ (الصَّبْرُ، وَهُوَ حَبْسُ النَّفْسِ عَنْ الْجَزَعِ) قِيلَ الصَّبْرُ ثَبَاتُ الْقُوَّةِ الْمُضَادَّةِ لِلشَّهْوَةِ فِي مُقَاوَمَةِ الشَّهْوَةِ وَتَفْصِيلُهُ أَنَّ لِلْبَهَائِمِ شَهْوَةً بِلَا عَقْلٍ؛ وَلِلْمَلَائِكَةِ عَقْلًا بِلَا شَهْوَةٍ؛ وَلِلْإِنْسَانِ كِلَاهُمَا مَعًا وَالصَّبْرُ مُقَاوَمَةُ الْعَقْلِ الشَّهْوَةَ فَهُوَ مَخْصُوصٌ بِالْإِنْسَانِ دُونَ الْبَهَائِمِ لِنُقْصَانِهِمْ وَدُونَ الْمَلَائِكَةِ لِكَمَالِهِمْ (قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر: ١٠] فَلَيْسَ لَهُمْ مِيزَانٌ كَمَا لَيْسَ لَهُمْ حِسَابٌ لِعَدَمِ دُخُولِ الصَّبْرِ تَحْتَ إحْصَاءِ عَدَدٍ، وَفِي الْحَدِيثِ «تُنْصَبُ الْمَوَازِينُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِأَجْلِ الصَّلَاةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْحَجِّ فَتُوزَنُ أُجُورُهُمْ، وَلَا يُنْصَبُ لِأَهْلِ الْبَلَاءِ بَلْ يُصَبُّ عَلَيْهِمْ الْأَجْرُ صَبًّا حَتَّى يَتَمَنَّى أَهْلُ الْعَافِيَةِ فِي الدُّنْيَا أَنَّ أَجْسَادَهُمْ تُقْرَضُ بِالْمَقَارِيضِ مِمَّا يَذْهَبُ بِهِ أَهْلُ الْبَلَاءِ مِنْ الْفَضْلِ» ، وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ «مَنْ صَبَرَ عَلَى الْمَعْصِيَةِ فَلَهُ ثَلَاثُمِائَةِ دَرَجَةٍ مَا بَيْنَ دَرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ صَبَرَ عَلَى الطَّاعَةِ فَلَهُ سِتُّمِائَةِ دَرَجَةٍ مَا بَيْنَ دَرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ صَبَرَ عَلَى الْمُصِيبَةِ فَلَهُ تِسْعُمِائَةِ دَرَجَةٍ مَا بَيْنَ دَرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ الْعَرْشِ إلَى الثَّرَى»
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute