للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(إنْ لَمْ يَخَفْ) عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ أَوْ أَوْلَادِهِ أَوْ أَتْبَاعِهِ (بِخِلَافِ غَيْرِهِمَا) أَيْ غَيْرِ ذَوِي الِابْتِدَاعِ وَالظُّلْمِ (مِنْ الْعُصَاةِ) بَلْ يُكْتَفَى حِينَئِذٍ بِبُغْضِ الْقَلْبِ فِي الْحَاشِيَةِ هَذَا بِالِاتِّفَاقِ، وَأَمَّا غَيْرُهُمَا فَفِيهِ اخْتِلَافٌ بَيْنَ الصَّحَابَةِ فَبَعْضُهُمْ عَلَى أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ إظْهَارُ الْبُغْضِ لَهُمْ وَالْجُمْهُورُ عَلَى عَدَمِهِ بَلْ اللَّازِمُ التَّعَطُّفُ عَلَيْهِمْ وَالتَّلَطُّفُ بِهِمْ، وَقَضَاءُ حَوَائِجِهِمْ لَكِنْ مَحَلُّ النِّزَاعِ مَا إذَا لَمْ يُفِدْ الْإِظْهَارُ فِي دَفْعِ الْمَعْصِيَةِ. وَأَمَّا إذَا أَفَادَ فَإِظْهَارُ الْبُغْضِ لَازِمٌ؛ لِأَنَّهُ نَهْيٌ عَنْ الْمُنْكَرِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّغْيِيرِ. انْتَهَى.

(تَتِمَّةٌ) : عِنْدَ اجْتِمَاعِ الصَّلَاحِ وَالْفِسْقِ يُعْتَبَرُ الْأَغْلَبُ فَأَمَّا عِنْدَ التَّسَاوِي فَتَجِبُ مِنْ جِهَةِ طَاعَتِهِ وَتُبْغِضُ مِنْ جِهَةِ فِسْقِهِ لَكِنْ تُبَالِغُ فِي حُبِّهِ وَبُغْضِهِ كَمَا تُبَالِغُ فِي تَمَحُّضِهِ ثُمَّ إظْهَارُ الْبُغْضِ إمَّا بِالْقَوْلِ فَبِتَرْكِ مُكَالَمَتِهِ مَرَّةً وَالِاسْتِخْفَافِ وَالتَّغْلِيظِ أُخْرَى، وَإِمَّا بِالْفِعْلِ فَلَا يُسِيءُ مَرَّةً وَيَسْعَى فِي إسَاءَتِهِ أُخْرَى، وَأَمَّا دَرَجَاتُ الْمَعْصِيَةِ فَإِنْ بِهَفْوَةٍ فَالْأَوْلَى السَّتْرُ وَالْإِغْمَاضُ، وَإِنْ بِإِصْرَارِ صَغِيرَةٍ أَوْ ارْتِكَابِ كَبِيرَةٍ فَإِنْ مُتَعَدِّيَةً فَيُنْكِرُ عَلَى قَدْرِ ارْتِدَاعِهِ، وَعَلَى قَدْرِ قُدْرَتِهِ، وَإِنْ مُتَعَدِّيَةً إلَيْك فَقَطْ فَالْأَوْلَى الْعَفْوُ إلَّا أَنْ يَكُونَ سَبَبًا إلَى زِيَادَةِ ضَلَالِهِ، وَإِنْ عَظِيمَةً كَمَا تَرَكَ الصِّدِّيقُ الْأَعْظَمُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - نَفَقَةَ مِسْطَحٍ حِينَ تَكَلَّمَ فِي الْإِفْكِ ثُمَّ أَمَرَهُ تَعَالَى بِإِعَادَةِ نَفَقَتِهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ} [النور: ٢٢] الْآيَةَ، وَأَيُّ جَرِيمَةٍ أَعْظَمُ مِنْ التَّعَرُّضِ لِحُرْمَةٍ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُتَعَدِّيَةً فَيَظْهَرُ أَثَرُ الْبُغْضِ قَوْلًا أَوْ فِعْلًا بِحَسَبِ مَرْتَبَةِ الِانْزِجَارِ وَالْقُدْرَةِ، وَأَقَلُّهُ قَطْعُ الرِّفْقِ وَالْعَوْنِ، وَأَقْوَاهُ إفْسَادُ أَغْرَاضِهِ وَالْمُخْتَارُ عِنْدَ بَعْضٍ فِي الْغَيْرِ الْمُتَعَدِّيَةِ النَّظَرُ بِعَيْنِ الرَّحْمَةِ لِأَنَّ الْقَدَرَ لَا يَنْفَعُ مِنْهُ الْحَذَرُ لَكِنْ لَا يَخْفَى بُطْلَانُهُ. فَإِنْ قُلْت هَلْ يَجِبُ الْإِعْرَاضُ، وَقَطْعُ النَّفَقَةِ وَالْإِعَانَةُ عَلَى الْعَاصِي بِحَيْثُ يَأْثَمُ مَنْ يَتْرُكُهُ قُلْت لَا يَدْخُلُ ذَلِكَ فِي الْعِلْمِ الظَّاهِرِ تَحْتَ التَّكْلِيفِ؛ لِأَنَّ مِنْ الصَّحَابَةِ مَنْ يُغَلِّظُ الْقَوْلَ وَمِنْهُمْ مَنْ يَكْتَفِي بِالْإِعْرَاضِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ بِعَيْنِ الرَّحْمَةِ فَهَذِهِ دَقَائِقُ دِينِيَّةٌ تَخْتَلِفُ فِيهَا طَرَائِقُ السَّالِكِينَ كَذَا فِي مِفْتَاحِ السَّعَادَةِ.

[الثَّانِي وَالْأَرْبَعُونَ بُغْضُ الْعُلَمَاءِ]

(الثَّانِي وَالْأَرْبَعُونَ بُغْضُ الْعُلَمَاءِ) الشَّرْعِيِّينَ لَا الْمُتَفَلْسِفَةِ، الَّذِينَ صَرَفُوا أَعْمَارَهُمْ فِي التَّدْرِيسِ وَالتَّصْنِيفِ بَلْ الْإِفْتَاءِ وَالْقَضَاءِ وَالنُّصْحِ وَالْعِظَةِ لَا إلَى التَّعْطِيلِ وَالْهَوَى لَكِنْ يَشْكُلُ أَنَّهُ إنْ أُرِيدَ الْبُغْضُ لِذَاتِهِ أَوْ لِأَمْرٍ غَيْرِ عَمَلِهِ فَلَا وَجْهَ لِلتَّخْصِيصِ، وَإِنْ أُرِيدَ الْبُغْضُ لِأَجْلِ عَمَلِهِ فَيَكْفُرُ فَلَا وَجْهَ

<<  <  ج: ص:  >  >>