للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَهُ وَعَنْ الْكَرْمَانِيِّ أَنَّ التَّاءَ فِي قَوْلِهِ «هَلْ أَنْتِ إلَّا إصْبَعٌ دَمِيَتْ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا لَقِيَتْ» بِالسُّكُونِ وَفِيهِ نَظَرٌ وَزَعَمَ غَيْرُهُ أَنَّهُ تَعَمَّدَ السُّكُونَ لِيَخْرُجَ عَنْ الشِّعْرِ وَفِيهِ أَنَّهُ مِنْ ضُرُوبِ الْبَحْرِ الْكَامِلِ انْتَهَى مُلَخَّصًا

وَفِي مِفْتَاحِ السَّعَادَةِ اُعْتُبِرَ فِي مَفْهُومِ الشِّعْرِ الْعَمْدُ لِئَلَّا يَلْزَمَ وُجُودُ الشِّعْرِ فِي الْقُرْآنِ لِأَنَّ الشِّعْرَ كَلَامٌ مُخَيَّلٌ مَوْزُونٌ مُقَفًّى بِطَرِيقِ الْعَمْدِ (ت عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَأَنْ يَمْتَلِئَ جَوْفُ أَحَدِكُمْ قَيْحًا حَتَّى يَرِيَهُ» بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ مِنْ الْوَرْيِ بِوَزْنِ الرَّمْيِ غَيْرِ مَهْمُوزٍ أَيْ حَتَّى يَغْلِبَهُ فَيَشْغَلَهُ عَنْ الْقِرَاءَةِ وَعَنْ ذِكْرِ اللَّهِ أَوْ حَتَّى يَفْسُدَ «خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمْتَلِئَ شِعْرًا» أَنْشَأَهُ أَوْ أَنْشَدَهُ لِمَا يَئُولُ إلَيْهِ أَمْرُهُ مِنْ تَشَاغُلِهِ بِهِ عَنْ عِبَادَةِ رَبِّهِ قَالَ الْقَاضِي وَالْمُرَادُ مَا يَتَضَمَّنُ سَبًّا أَوْ هِجَاءً أَوْ مُفَاخَرَةً وَحَمَلَ بَعْضٌ عَلَى عُمُومِهِ إنْ لَمْ يَشْتَمِلْ عَلَى الذِّكْرِ وَالزُّهْدِ وَالْمَوْعِظَةِ وَالدَّقَائِقِ مِمَّا لَا إفْرَاطَ فِيهِ وَفِي شَرْحِ الْمَشَارِقِ اسْتَدَلَّ بِالْحَدِيثِ عَلَى كَرَاهَةِ الشِّعْرِ مُطْلَقًا وَلَكِنَّ الْجُمْهُورَ عَلَى إبَاحَتِهِ لِأَنَّ الْمَذْمُومَ مَا فِيهِ قُبْحٌ وَإِلَّا فَإِنْ شَغَلَهُ عَنْ الذِّكْرِ فَمَذْمُومٌ أَيْضًا وَإِلَّا فَلَا وَفِي قَوْلِهِ يَمْتَلِئُ إشَارَةٌ إلَيْهِ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالشِّعْرِ مَا فِيهِ هَجْوُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَرَدَ أَنَّهُ كُفْرٌ

[الرَّابِعُ السَّجْعُ]

(وَالرَّابِعُ السَّجْعُ) هُوَ تَوَازُنُ الْفِقَرِ وَتَقَارُبُ الْفَوَاصِلِ وَقِيلَ تَوَاطُؤُ الْفَاصِلَتَيْنِ مِنْ النَّثْرِ عَلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ وَهُوَ فِي النَّثْرِ كَالْقَافِيَةِ فِي الشِّعْرِ (وَالْفَصَاحَةُ وَهُمَا إنْ كَانَا بِلَا تَكَلُّفٍ) بِأَنْ يَكُونَا سَلِيقَةً طَبِيعَةً (وَلَا تَصَنُّعٍ) تَكَلُّفٍ فِي الصُّنْعِ وَتَعَبٍ فِي التَّعْبِيرِ (فَمَمْدُوحَانِ خُصُوصًا إذَا كَانَا فِي الْخَطَابَةِ) فِي الْخُطْبَةِ (وَالتَّذْكِيرِ) فِي الْعِظَةِ (بَلْ يُسْتَحَبُّ التَّكَلُّفُ الْيَسِيرُ) فِيهِمَا (لِأَنَّ فِيهِمَا تَحْرِيكَ الْقُلُوبِ وَتَشْوِيقَهَا) إلَى الطَّاعَةِ (وَقَبْضِهَا) عَنْ الْمَعَاصِي عِنْدَ ذِكْرِ الْوَعِيدِ (وَبَسْطِهَا) عِنْدَ ذِكْرِ الْوَعْدِ بِالْعِبَارَاتِ الْعَذْبَةِ وَالْكَلِمَاتِ الْمَلِيحَةِ وَالْأَدَاءِ الْغَرِيبِ وَالتَّعْبِيرِ الْأَنِيقِ إذْ الْوِجْدَانُ شَاهِدٌ أَنَّ فِي تَعْبِيرِ الْمَعْنَى الْوَاحِدِ بِعِبَارَةٍ تَفَاوُتًا بِأَدَائِهِ بِعِبَارَةٍ أُخْرَى

قِيلَ سَمِعَ أَعْرَابِيٌّ وَعْظَ الْحَسَنِ فَقَالَ فَصِيحٌ إذَا لَفَظَ نَصِيحُ إذَا وَعَظَ خُصُوصًا إذَا كَانَ مُؤَذِّنًا وَإِمَامًا أَوْ خَطِيبًا أَوْ قَارِئًا أَوْ مُعَلِّمًا أَوْ مُدَرِّسًا أَوْ وَاعِظًا فَإِنَّ التَّكَلُّفَ الْيَسِيرَ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ لِتَرْقِيقِ الْقُلُوبِ، وَتَهْيِيجُ الْقَبْضِ وَالْبَسْطِ مُسْتَحَبٌّ وَمَنْدُوبٌ لَكِنْ يَشْكُلُ عَلَى مِثْلِهِ أَنَّهُ لَا يَخْفَى أَنَّهُ لَيْسَ بِصَادِرٍ عَنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِعْلًا إذْ لَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ إلَى تَكَلُّفٍ فِي أَدَاءِ الْكَلَامِ الْبَلِيغِ وَالتَّعْبِيرِ الْفَصِيحِ وَلَا قَوْلًا عَلَى الظَّاهِرِ إذْ لَوْ كَانَ لَأُشِيعَ وَلَا حَسُنَ عَقْلِيًّا عِنْدَنَا كَمَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ تَعْلِيلِهِ فَمَا مَعْنَى الِاسْتِحْبَابِ أَقُولُ لَا يَبْعُدُ أَنَّ مِثْلَهُ ثَابِتٌ بِطَرِيقِ دَلَالَةِ النَّصِّ أَوْ الْمُقَايَسَةِ عَلَى مَا ثَبَتَ بِالنَّصِّ وَلَا أَقَلَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ مِنْ قِبَلِ الْبِدْعَةِ فِي الْعَادَةِ الَّتِي لَهَا إعَانَةٌ فِي الدِّينِ فَتَأَمَّلْ (وَأَمَّا فِيمَا عَدَاهُمَا) أَيْ الْخَطَابَةِ وَالتَّذْكِيرِ مِنْ الْمُحَاوَرَاتِ الَّتِي فِي قَضَاءِ الْحَاجَةِ (فَالتَّكَلُّفُ فِيهِمَا) وَلَوْ يَسِيرًا

<<  <  ج: ص:  >  >>