فِي شَمَائِلِ التِّرْمِذِيِّ بِتَرْجِيعِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقِرَاءَةِ إنَّا فَتَحْنَا لَك قَالَ شَارِحُهُ ابْنُ حَجَرٍ الْمَرْوِيُّ عَنْ صِفَةِ تَرْجِيعِهِ مَدُّ الصَّوْتِ فِي الْقِرَاءَةِ آآ آثُمَّ قَالَ وَالْحَقُّ فِي تَغَنِّي الْقِرَاءَةِ أَنَّ طَبِيعَتَهُ بِلَا تَكَلُّفٍ فَمَحْمُودٌ وَإِلَّا فَمَكْرُوهٌ وَمِثْلُهُ أَيْضًا فِي الْمَوَاهِبِ اللَّدُنِّيَّةِ حَيْثُ قَالَ مَا حَاصِلُهُ إنْ سَمَحَتْ الطَّبِيعَةُ بِالْغِنَاءِ بِلَا تَعَلُّمٍ وَلَا تَكَلُّفٍ فَجَائِزٌ وَإِنْ بِاكْتِسَابٍ وَتَصَنُّعٍ فَمَكْرُوهٌ قَالَ حَفِيدُ السَّعْدِ فِي مَجْمُوعَةِ الْعُلُومِ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة لِأَنَّ التَّغَنِّيَ وَاسْتِمَاعَ الْغِنَاءِ حَرَامٌ أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْعُلَمَاءُ وَبَالَغُوا فِيهِ وَعَنْ الْمُسْتَصْفَى شَرْحِ النَّافِعِ التَّغَنِّي حَرَامٌ فِي جَمِيعِ الْأَدْيَانِ وَعَنْ الزِّيَادَاتِ مِنْ الْوَصِيَّةِ الَّتِي هِيَ مَعْصِيَةٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَ أَهْلِ الْكِتَابِ الْوَصِيَّةُ لِلْغِنَاءِ وَعَنْ الْمَرْغِينَانِيِّ مَنْ قَالَ لِمُقْرِئِ زَمَانِنَا أَحْسَنْت يَكْفُرُ وَعَنْ جَامِعِ الْمَحْبُوبِيِّ مُجَرَّدُ الْغِنَاءِ وَالِاسْتِمَاعِ إلَيْهِ مَعْصِيَةٌ وَعَنْ الشِّرْعَةِ صَوْتُ أَهْلِ الْفِسْقِ وَالْغِنَاءُ فِتْنَةٌ وَالتَّرْجِيعُ بِالْقُرْآنِ قِيلَ لَا بَأْسَ وَالْأَكْثَرُ مَكْرُوهٌ وَقِيلَ التَّغَنِّي لِنَفْسِهِ جَائِزٌ وَلِغَيْرِهِ مَكْرُوهٌ إلَّا فِي نَحْوِ الْعُرْسِ وَالْوَلِيمَةِ وَقِيلَ إنْ لِلَهْوٍ مَكْرُوهٌ وَإِلَّا فَلَا وَعَنْ شَيْخِ الْإِسْلَامِ جَمِيعُ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ عِنْدَ عُلَمَائِنَا وَعَنْ النِّهَايَةِ رَخَّصَ عُمَرُ فِي غِنَاءِ الْأَعْرَابِ وَهُوَ صَوْتٌ كَالْحِدَاءِ وَعَنْ ابْنِ حَجَرٍ الْغِنَاءُ يُطْلَقُ عَلَى رَفْعِ الصَّوْتِ وَالتَّرَنُّمِ وَالْحِدَاءِ فَلَا يُسَمَّى فَاعِلُهُ مُغَنِّيًا وَإِنَّمَا يُسَمَّى بِذَلِكَ مَنْ يُنْشِدُ بِتَمْطِيطٍ وَتَكْثِيرٍ وَتَهَيُّجٍ وَتَشْوِيقٍ بِمَا فِيهِ تَعْرِيضٌ بِالْفَوَاحِشِ وَعَنْ الْكَرْمَانِيِّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ كَانَ الشِّعْرُ الَّذِي يُغَنَّى بِهِ فِي مَسْجِدِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي نَحْوِ وَصْفِ الشَّجَاعَةِ وَأَمَّا بِالْفَوَاحِشِ وَالْمُنْكَرِ فَمَحْظُورٌ وَأَجَازَتْ الصَّحَابَةُ غِنَاءَ الْعَرَبِ الَّذِي هُوَ إنْشَادُ التَّرَنُّمِ وَأَجَازُوا الْحِدَاءَ وَفَعَلُوهُ بِحَضْرَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَيْسَ مِثْلُهُ بِحَرَامٍ فَيَجُوزُ هَذَا الْغِنَاءُ لِأَهْلِ الرِّيَاضَةِ وَالْمُجَاهَدَةِ دُونَ الْعَوَامّ بَلْ لِلْعُلَمَاءِ أَهْلِ الْقُدْرَةِ وَعَنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْغِنَاءَ وَسَمَاعَهُ مَكْرُوهَانِ وَلَيْسَا بِمُحَرَّمَيْنِ إلَّا مِنْ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ فَحَرَامٌ بِالْإِجْمَاعِ وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ كَرَاهَتُهُ وَإِبَاحَتُهُ وَوَفَّقَ بِأَنَّ الْإِبَاحَةَ فِي الْأَشْعَارِ الْمُرَغِّبَةِ فِي الْآخِرَةِ وَالْكَرَاهَةَ فِي غَيْرِهَا وَعَنْ مَالِكٍ كَرَاهَةُ الْغِنَاءِ الْمُعْتَادِ وَعَنْ الطَّبَرِيِّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ كَرَاهَتُهُ وَعَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَهْوٌ مَكْرُوهٌ يُشْبِهُ الْبَاطِلَ وَمُسْتَكْثِرُهُ سَفِيهٌ مَرْدُودُ الشَّهَادَةِ وَمَنْ نَسَبَ جَوَازَهُ إلَى الشَّافِعِيَّةِ كَذَبَ عَلَيْهِمْ فَقَدْ أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى كَرَاهَتِهِ وَمَنْعِهِ وَإِنَّمَا رَخَّصَ فِي ذَلِكَ مَنْ قَلَّ عِلْمُهُ وَغَلَبَهُ هَوَاهُ انْتَهَى مُلَخَّصًا قَالَ فِي الدُّرِّ الْمُخْتَارِ لَوْ فِي الْغِنَاءِ وَعْظٌ وَحِكْمَةٌ فَجَائِزٌ اتِّفَاقًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَجَازَهُ فِي الْعُرْسِ كَمَا جَازَ ضَرْبُ الدُّفِّ فِيهِ وَمِنْهُمْ مَنْ أَبَاحَهُ مُطْلَقًا وَفِي الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي حَاشِيَةِ الدُّرَرِ عَنْ الْكَمَالِ مِنْهُمْ مَنْ لَا يَكْرَهُهُ إلَّا إذَا كَانَ عَلَى سَبِيلِ اللَّهْوِ وَبِهِ أَخَذَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَمِنْهُمْ مَنْ كَرِهَ جَمِيعَ ذَلِكَ وَبِهِ أَخَذَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ لَعَلَّ الْحَقَّ فِي هَذِهِ الِاخْتِلَافَاتِ مَا فِي الْبَحْرِ مِنْ أَنَّ الْمَذْهَبَ حُرْمَتُهُ مُطْلَقًا فَانْقَطَعَ الْخِلَافُ بَلْ ظَاهِرُ الْهِدَايَةِ كَبِيرَةٌ مُطْلَقًا لَوْ لِنَفْسِهِ انْتَهَى لِكَثْرَةِ قَائِلِهِ وَوَثَاقَتِهِ وَقُوَّةِ أَدِلَّتِهِ وَأَنَّ الْحَظْرَ يَرْجَحُ عَلَى الْإِبَاحَةِ وَالْحُرْمَةَ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَأَنَّ الِاحْتِيَاطَ فِي الِاتِّفَاقِ وَأَنَّ تَأْوِيلَ أَدِلَّةِ الْجَوَازِ أَقْرَبُ مِنْ تَأْوِيلِ أَدِلَّةِ الْمَنْعِ وَأَنَّ النَّفْيَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْإِثْبَاتِ وَقَدْ سَمِعْت أَيْضًا أَنَّ أَدْنَى دَرَجَةِ الِاخْتِلَافِ إيرَاثُ الشُّبْهَةِ وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبْهَةِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ وَالْحَرَامُ كُلِّيٌّ مُشْكِلٌ أَقْوَاهُ التَّغَنِّي بِالْفُحْشِيَّاتِ كَالنِّسْوَانِ وَهَجْوُ الْمُسْلِمِ لَعَلَّهُ هُوَ مَحْمَلُ الْحُرْمَةِ فِي جَمِيعِ الْأَدْيَانِ وَأَمَّا الشِّعْرُ فَقَالَ فِي أَكْمَلِ الْمَشَارِقِ مِنْهُمْ مَنْ مَنَعَ مُطْلَقًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَجَازَ مُطْلَقًا وَالْحَقُّ إنْ اشْتَمَلَ الثَّنَاءَ عَلَى اللَّهِ أَوَالْحَثَّ عَلَى الطَّاعَةِ وَنَحْوَهُمَا فَجَائِزٌ حَسَنٌ إنْشَادُهُ فِي الْمَسَاجِدِ وَغَيْرِهَا وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ وَمِثْلُهُ فِي مَجْمُوعَةِ الْحَفِيدِ الْأَشْعَارُ الَّتِي يُنْشِدُهَا الْمُتَزَهِّدُونَ بِتَطْرِيبٍ وَتَلْحِينٍ وَيُزْعِجُ الْقُلُوبَ إلَى ذِكْرِ الْآخِرَةِ مُبَاحَةٌ وَإِلَّا فَحَظْرٌ
[الثَّامِنَ عَشَرَ إفْشَاءُ السِّرِّ]
(الثَّامِنَ عَشَرَ إفْشَاءُ السِّرِّ) سَوَاءٌ سِرُّ نَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ سِيَّمَا الْوَاقِعُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ وَمِنْ شِعَارِ الْفَسَقَةِ وَلَهُ مَفَاسِدُ كَثِيرَةٌ كَالْحِقْدِ وَالْبُغْضِ وَالْعَدَاوَةِ وَالنَّمِيمَةِ وَإِيقَاظِ الْفِتْنَةِ وَفِي حَدِيثِ الْمَشَارِقِ «لَا يَسْتُرُ عَبْدٌ عَبْدًا فِي الدُّنْيَا إلَّا سَتَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ» يَعْنِي مَعَاصِيَ ذَلِكَ السَّاتِرِ مِنْ إشَاعَتِهَا فِي الْمَوْقِفِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute