للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ النَّاسِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ} [المائدة: ٥٤] . وَلَا شَتْمًا وَلَا ضَرْبًا بَلْ وَلَا قَتْلًا وَفِي نِصَابِ الِاحْتِسَابِ أَنَّ أَبَا غِيَاثٍ الزَّاهِدَ رَأَى فِي بُخَارَى غِلْمَانَ الْأَمِيرِ يَلْعَبُونَ بِالْمَلَاهِي فَحَمَلَ عَلَيْهِمْ بِالْعَصَا فَفَرُّوا مُنْهَزِمِينَ فَدَعَا بِهِ الْأَمِيرُ. وَقَالَ أَمَا عَلِمْت أَنَّ مَنْ يَخْرُجُ عَلَى السُّلْطَانِ يُسْجَنُ، فَقَالَ الزَّاهِدُ أَمَا عَلِمْت أَنَّ مَنْ يَخْرُجُ عَلَى الرَّحْمَنِ يَتَعَشَّى فِي النِّيرَانِ، فَقَالَ الْأَمِيرُ مَنْ وَلَّاك الْحِسْبَةَ أَيْ خِدْمَةَ الِاحْتِسَابِ، قَالَ الَّذِي وَلَّاك الْإِمَارَةَ، فَقَالَ وَلَّانِي الْخَلِيفَةُ، قَالَ الزَّاهِدُ وَلَّانِي رَبُّ الْخَلِيفَةِ، فَقَالَ وَلَّيْتُك الْحِسْبَةَ بِسَمَرْقَنْدَ، قَالَ عَزَلْت نَفْسِي عَنْهَا، فَقَالَ الْعَجَبُ مِنْ أَمْرِك تَحْتَسِبُ حِينَ لَمْ تُؤْمَرْ وَتَمْتَنِعُ حِينَ تُؤْمَرُ، قَالَ إنْ وَلَّيْتنِي عَزَلْتنِي وَإِذَا وَلَّانِي رَبِّي لَمْ يَعْزِلْنِي أَحَدٌ، فَقَالَ الْأَمِيرُ سَلْ حَاجَتَك، فَقَالَ حَاجَتِي أَنْ تَرُدَّ عَلَيَّ شَبَابِي، فَقَالَ لَيْسَ ذَلِكَ إلَيَّ، قَالَ فَاكْتُبْ إلَى مَالِكٍ خَازِنِ النَّارِ أَنْ لَا يُعَذِّبَنِي، قَالَ لَيْسَ ذَاكَ أَيْضًا إلَيَّ، فَقَالَ الزَّاهِدُ فَلَا أَسْأَلُ حَاجَةً مِنْ مَالِكِ الْحَوَائِجِ كُلِّهَا إلَّا أَجَابَنِي إلَيْهَا، فَخَلَّى الْأَمِيرُ سَبِيلَهُ.

وَفِي الِاحْتِسَابِ أَيْضًا عَنْ الشِّبْلِيِّ أَنَّهُ رَأَى خَوَابِيَ خَمْرٍ حُمِلَتْ لِلْخَلِيفَةِ الْمُعْتَصِمِ بِاَللَّهِ فَأَهْرَقَهَا وَاحِدَةً فَوَاحِدَةً حَتَّى بَقِيَ وَاحِدَةٌ وَالْقَوْمُ سُكُوتٌ مِنْ هَيْبَتِهِ فَأُتِيَ بِهِ إلَى الْخَلِيفَةِ، فَقَالَ لَهُ لِمَ فَعَلْت هَذَا، فَقَالَ أَيَّدَ اللَّهُ الْخَلِيفَةَ لَوْ عَلِمْت أَنَّ فِي بَطْنِك خَمْرًا لَشَقَقْته بِهَذِهِ الْحَرْبَةِ، فَقَالَ قَصْدُك أَنْ أَقْتُلَك حَتَّى تَصِيرَ شَهِيدًا لَكِنِّي لَا أَفْعَلُ، ثُمَّ قَالَ لِمَ تَرَكْت الْخَابِيَةَ الْوَاحِدَةَ، فَقَالَ لِأَنِّي رَأَيْت نَفْسِي عِنْدَهَا خِلَافَ السَّوَابِقِ؛ لِأَنَّهَا عِنْدَهَا لَمْ تَكُنْ عَلَى مُرَادِ نَفْسِي.

[الْمَبْحَثُ السَّابِعُ فِي عِلَاجِ الرِّيَاءِ]

(الْمَبْحَثُ السَّابِعُ)

آخِرُ مَبَاحِثِ الرِّيَاءِ (فِي عِلَاجِ الرِّيَاءِ) لِأَنَّ الرِّيَاءَ كَمَا عَرَفْت مَرَضٌ مُهْلِكٌ قَوِيٌّ تَحْتَاجُ إزَالَتُهُ إلَى دَوَاءٍ وَمُعَالَجَةٍ لِيَتَخَلَّصَ مِنْهُ (وَذَلِكَ يَتَوَقَّفُ عَلَى مَعْرِفَةِ أَسْبَابِهِ) لِأَنَّهُ مَا لَمْ يَزُلْ سَبَبُ الْأَمْرَاضِ لَمْ يَزُلْ الْمَرَضُ فَلَوْ أُزِيلَ بِتَكَلُّفٍ لَحَصَلَ فَوْرًا (وَ) عَلَى (غَوَائِلِهِ) لِتَحْصِيلِ النَّفْرَةِ (وَ) عَلَى (مَعْرِفَةِ أَسْبَابِ ضِدِّهِ) لِأَنَّ الْأَمْرَاضَ تُعَالَجُ بِالْأَضْدَادِ وَالضِّدُّ إنَّمَا يَحْصُلُ بِمَعْرِفَةِ أَسْبَابِهِ.

(وَ) عَلَى مَعْرِفَةِ (فَوَائِدِهِ) أَيْ فَوَائِدِ الضِّدِّ لِلِانْبِعَاثِ وَالشَّوْقِ إلَى تَحْصِيلِهِ (أَمَّا أَسْبَابُ الرِّيَاءِ فَقَدْ عُلِمَ مِمَّا سَبَقَ) مِنْ أَنَّهَا أَرْبَعَةٌ مُتَرَتِّبَةٌ فِي الْكَثْرَةِ وَالْقِلَّةِ وَالْقُوَّةِ وَالضَّعْفِ، حُبُّ الْجَاهِ ثُمَّ الطَّمَعُ ثُمَّ الْفِرَارُ ثُمَّ الْجَهْلُ عَلَى مَا يَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ الْأَوَّلُ (أَنَّهَا حُبُّ الْجَاهِ وَالْمَنْزِلَةِ) الرِّفْعَةِ (فِي قُلُوبِ النَّاسِ حَتَّى يَمْدَحُونَهُ وَلَا يَذُمُّونَهُ) كَمَنْ يُعَدِّلُ أَرْكَانَ الصَّلَاةِ لِلذَّمِّ فِي تَرْكِهَا (إمَّا لِذَاتِهِ) لِأَجْلِ تَلَذُّذِهِ بِنَفْسِ الْجَاهِ كَمَنْ يَقْصِدُ بِعِبَادَتِهِ اشْتِهَارَهُ بِالصَّلَاحِ وَكَثْرَةَ الْمُرِيدِينَ وَكَمَنْ يَرَى جَمَاعَةً يَعْبُدُونَ اللَّهَ فَيُوَافِقُهُمْ لِئَلَّا يَنْسُبُونَهُ إلَى الْكَسَلِ (أَوْ لِلتَّسَلُّلِ بِهِ) بِالْجَاهِ (إلَى غَيْرِهِ) مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ وَالْمُبَاحَاتِ وَالطَّاعَاتِ عَلَى مَا سَبَقَ كَمَنْ يَتَوَرَّعُ لِنَيْلِ نَحْوِ الْقَضَاءِ وَالْأَوْقَافِ وَأَمْوَالِ الْيَتَامَى أَوْ يُودَعُ فَيَأْخُذُ الْوَدِيعَةَ وَيُنْكِرُ.

(وَ) الثَّانِي (الطَّمَعُ فِيمَا فِي أَيْدِي النَّاسِ) مِنْ نَحْوِ الْأَمْوَالِ كَمَنْ يَذْكُرُ وَيَقْرَأُ لِإِعْطَاءِ

<<  <  ج: ص:  >  >>