وَحَقَدَ عَلَيْهِ مِنْ بَابِ ضَرَبَ وَفِي لُغَةٍ مِنْ بَابِ تَعِبَ وَالْجَمْعُ أَحْقَادٌ وَقِيلَ كَوْنُ السَّرِيرَةِ مَطْوِيَّةً عَلَى الْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ (كَاَلَّذِي يَتَكَبَّرُ عَلَى مَنْ يَرَى) فِي بَصِيرَتِهِ (أَنَّهُ مِثْلُهُ) فِي أَوْصَافِ الْكَمَالِ كَالْعِلْمِ وَالصَّلَاحِ وَالدِّينِ (أَوْ فَوْقَهُ وَلَكِنْ قَدْ غَضِبَ عَلَيْهِ بِسَبَبِ سَبْقٍ مِنْهُ) مِنْ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى إنْفَاذِهِ (فَأَوْرَثَهُ) أَيْ الْغَضَبُ إيَّاهُ (حِقْدًا وَرَسَخَ فِي قَلْبِهِ بُغْضُهُ فَلَا تُطَاوِعُهُ نَفْسُهُ أَنْ يَتَوَاضَعَ لَهُ) وَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ يَسْتَحِقُّ التَّوَاضُعَ (وَيَحْمِلُهُ) ذَلِكَ (عَلَى رَدِّ الْحَقِّ إذَا جَاءَ مِنْ جِهَتِهِ وَعَلَى الْأَنَفَةِ) بِفَتْحَتَيْنِ الِاسْتِنْكَافِ وَالتَّبَاعُدِ (مِنْ قَبُولِ نُصْحِهِ) وَعَلَى الْإِقْبَالِ عَلَى الْبَاطِلِ (وَ) يَحْمِلُهُ (عَلَى أَنْ يَجْتَهِدَ فِي التَّقَدُّمِ عَلَيْهِ) فِي الْمَجَالِسِ وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ ذَلِكَ وَعَلَى أَنْ يَسْتَحِلَّهُ وَأَنْ ظَلَمَهُ وَلَا يَعْتَذِرُ إلَيْهِ وَإِنْ جَنَى عَلَيْهِ وَلَا يَسْأَلُهُ عَمَّا هُوَ جَاهِلٌ بِهِ.
(وَ) الثَّانِي مِنْ أَسْبَابِ التَّكَبُّرِ (الْحَسَدُ) وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ (فَإِنَّهُ يَدْعُو) يُوَصِّلُ (إلَى جَحْدِ الْحَقِّ) حَتَّى يَمْتَنِعَ مِنْ قَبُولِ النُّصْحِ وَتَعَلُّمِ الْعِلْمِ فَكَمْ مِنْ جَاهِلٍ يَشْتَاقُ إلَى الْعِلْمِ وَقَدْ بَقِيَ فِي رَذِيلَةِ الْجَهْلِ لِاسْتِنْكَافِهِ أَنْ يَسْتَفِيدَ مِنْ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ بَلَدِهِ وَأَقَارِبِهِ حَسَدًا وَبَغْيًا عَلَيْهِ (وَ) إلَى (التَّكَبُّرِ عَلَى الْمَحْسُودِ مَعَ مَعْرِفَتِهِ بِفَضْلِهِ عَلَيْهِ) أَيْ الْحَاسِدِ وَلَكِنَّ الْحَسَدَ يَحْمِلُهُ عَلَى أَنْ يُعَامِلَهُ بِأَخْلَاقِ الْمُتَكَبِّرِينَ وَإِنْ كَانَ فِي بَاطِنِهِ عِلْمٌ أَنَّهُ فَوْقَهُ (وَعِلَاجُ التَّكَبُّرِ بِهَذَيْنِ) السَّبَبَيْنِ (إزَالَتُهُمَا) أَيْ الْحِقْدِ وَالْحَسَدِ (وَسَيَجِيءُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى) فِي مَبْحَثِ الْحَسَدِ وَالْغَضَبِ.
[السَّبَبُ الثَّالِثُ لَلتَّكَبُّرُ الرِّيَاءُ]
(وَ) السَّبَبُ الثَّالِثُ (الرِّيَاءُ) وَهُوَ أَيْضًا يَدْعُو إلَى أَخْلَاقِ الْمُتَكَبِّرِينَ (حَتَّى إنَّ الرَّجُلَ) قِيلَ هَذَا حَرَامٌ لِكَوْنِهِ رِيَاءَ أَهْلِ الدِّينِ (لِيُنَاظِرَ مِنْ النَّاسِ مَنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْهُ وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا مَعْرِفَةٌ) أَوْ كَانَتْ مَعْرِفَةٌ (وَ) لَكِنْ (لَا حِقْدَ وَلَا حَسَدَ) بَيْنَهُمَا (وَلَكِنْ يَمْتَنِعُ مِنْ قَبُولِ الْحَقِّ) مِنْهُ (وَيَتَكَبَّرُ عَلَيْهِ) فِي الِاسْتِفَادَةِ (خِيفَةَ أَنْ يَقُولَ النَّاسُ إنَّهُ أَفْضَلُ مِنْهُ) فَيَكُونُ بَاعِثُهُ عَلَى التَّكَبُّرِ عَلَيْهِ الرِّيَاءُ الْمُجَرَّدُ (وَلَوْ خَلَا مَعَهُ بِنَفْسِهِ) بِحَيْثُ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ أَحَدٌ (لَكَانَ لَا يَتَكَبَّرُ عَلَيْهِ) لَعَلَّ هَذَا أَكْثَرِيٌّ وَإِلَّا فَمِثْلُهُ مُخْتَلِفٌ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ وَالطَّبَائِعِ؛ إذْ يَجُوزُ أَنْ يَتَكَبَّرَ عَلَى ذَلِكَ الْمُنَاظِرِ إمَّا مَخَافَةً عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عَلَى إخْبَارِهِ الْغَيْرَ (وَقَدْ يَكُونُ الْبَاعِثُ عَلَى التَّكَبُّرِ الْمِرْآة بِأَسْبَابِ الدُّنْيَا) وَحُكْمُ هَذَا هُوَ الْكَرَاهَةُ تَنْزِيهًا (كَمَنْ يَلْبَسُ فِي بَيْتِهِ مَا لَا يَلْبَسُ عِنْدَ النَّاسِ) لِئَلَّا يَنْظُرُوا إلَيْهِ نَظَرَ الِاسْتِصْغَارِ لَكِنْ قَالُوا يَنْبَغِي لِكُلٍّ أَنْ يَتَزَيَّا بِزِيِّ نَوْعِهِ سِيَّمَا لِلْعُلَمَاءِ لِيَأْمَنَ ازْدِرَاءَ النَّاسِ وَلِئَلَّا يَسْقُطَ فِي أَعْيُنِهِمْ وَلِذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: عَظِّمُوا عَمَائِمَكُمْ وَوَسِّعُوا أَكْمَامَكُمْ وَقَالُوا مَنْ تَزَيَّا بِغَيْرِ زِيِّ نَوْعِهِ فَأَدِّبُوهُ
قَالَ الْمُنَاوِيُّ فِي شَرْحِ حَدِيثٍ «كَانَ لَهُ بُرْدٌ يَلْبَسُهُ فِي الْعِيدَيْنِ وَالْجُمُعَةِ وَكَانَ يَتَجَمَّلُ لِلْوُفُودِ» أَيْضًا ثُمَّ قَالَ الْغَزَالِيُّ: وَهَذَا كَانَ مِنْهُ عِبَادَةً؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِدَعْوَةِ النَّاسِ وَتَرْغِيبِهِمْ فِي الِاتِّبَاعِ وَاسْتِمَالَةِ قُلُوبِهِمْ وَلَوْ سَقَطَ مِنْ أَعْيُنِهِمْ لَمْ يَرْغَبُوا فِي اتِّبَاعِهِ وَكَانَ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُظْهِرَ لَهُمْ مَحَاسِنَ أَحْوَالِهِ لِئَلَّا تَزْدَرِيَهُ أَعْيُنُهُمْ فَإِنَّ أَعْيُنَ الْعَوَامّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute