للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي زَمَانِنَا وَوَفَّقَ بَعْضُهُمْ أَنَّ عَدَمَ الْقَبُولِ بِالنَّظَرِ إلَى مَنْ تَقِلُّ صَلَابَتُهُ وَعِزَّتُهُ فِي حَقِّهِ لِقَبُولِ هَدِيَّتِهِ، وَالْقَبُولُ إلَى مَنْ لَيْسَ كَذَلِكَ، وَفِيهِ مُسْلِمٌ دَعَاهُ نَصْرَانِيٌّ إلَى دَارِهِ ضَيْفًا حَلَّ لَهُ ذَلِكَ، وَفِيهِ أَيْضًا عَنْ السِّغْنَاقِيِّ الْمَجُوسِيُّ أَوْ النَّصْرَانِيُّ إذَا دَعَا رَجُلًا إلَى طَعَامِهِ تُكْرَهُ الْإِجَابَةُ ثُمَّ قَالَ: مَا ذُكِرَ فِي حَقِّ النَّصْرَانِيِّ يُخَالِفُ رِوَايَةَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَمَا نَقَلْنَا سَابِقًا مِنْ الْمَسَائِلِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالرُّخَصِ مَبْنِيٌّ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ) الْيَقِينُ لَا يُرْفَعُ إلَّا بِمِثْلِهِ، وَالْيَقِينُ لَا يَزُولُ بِالشَّكِّ قِيلَ لَا شَكَّ مَعَ الْيَقِينِ فَكَيْفَ يَرْتَفِعُ مَا لَا وُجُودَ لَهُ

وَأُجِيبَ الْأَصْلُ الْمُتَيَقَّنُ لَا يُزِيلُهُ شَكٌّ طَارِئٌ عَلَيْهِ قَالَ الْحَمَوِيُّ فِي شَرْحِ الْأَشْبَاهِ: الشَّكُّ لُغَةً مُطْلَقُ التَّرَدُّدِ، وَفِي اصْطِلَاحِ الْأُصُولِيِّينَ: اسْتِوَاءُ طَرَفَيْ الشَّيْءِ وَهُوَ الْوُقُوفُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ بِحَيْثُ لَا يَمِيلُ الْقَلْبُ إلَى أَحَدِهِمَا فَإِذَا تَرَجَّحَ أَحَدُهُمَا، وَلَمْ يَطْرَحْ الْآخَرَ فَهُوَ ظَنٌّ وَإِنْ طَرَحَهُ فَهُوَ غَالِبٌ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْيَقِينِ وَإِنْ لَمْ يَتَرَجَّحْ فَهُوَ وَهْمٌ، وَأَمَّا عِنْدَ الْفُقَهَاءِ فَهُوَ كَاللُّغَةِ فِي سَائِرِ الْأَبْوَابِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُسَاوِي وَالرَّاجِحِ كَمَا زَعَمَ النَّوَوِيُّ لَكِنْ هَذَا إنَّمَا قَالُوهُ فِي الْأَحْدَاثِ وَقَدْ فَرَّقُوا فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ وَقِيلَ الْيَقِينُ جَزْمٌ بِدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ، وَالِاعْتِقَادُ جَزْمٌ بِلَا دَلِيلٍ قَطْعِيٍّ، وَالظَّنُّ تَجْوِيزُ أَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا أَضْعَفُ مِنْ الْآخَرِ، وَالشَّكُّ تَجْوِيزُ أَمْرَيْنِ لَا مَزِيَّةَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الشَّكَّ شَكٌّ طَرَأَ عَلَى أَصْلٍ مُحَرَّمٍ أَوْ عَلَى أَصْلٍ مُبَاحٍ، وَشَكٌّ لَا يُعْرَفُ أَصْلُهُ فَالْأَوَّلُ كَأَنْ يَجِدَ شَاةً مَذْبُوحَةً فِي بَلَدٍ فِيهَا مُسْلِمٌ وَمَجُوسٌ فَلَا تَحِلُّ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّهَا ذَكَاةُ مُسْلِمٍ؛ لِأَنَّ أَصْلَهَا حَرَامٌ وَشَكَكْنَا فِي الذَّكَاةِ الْمُبِيحَةِ فَلَوْ كَانَ الْغَالِبُ فِيهَا الْمُسْلِمِينَ جَازَ الْأَكْلُ عَمَلًا بِالْغَالِبِ الْمُفِيدِ لِلطَّهَارَةِ

وَالثَّانِي: أَنْ يَجِدَ مَاءً تَغَيَّرَ وَاحْتُمِلَ تَغَيُّرُهُ بِنَجَاسَةٍ أَوْ طُولِ مُكْثٍ يَجُوزُ التَّطْهِيرُ بِهِ عَمَلًا بِالْأَصْلِ الطَّهُورِيَّةِ

وَالثَّالِثُ مِثْلُ مُعَامَلَةِ مَنْ أَكْثَرُ مَالِهِ حَرَامٌ وَلَمْ يَتَحَقَّقْ أَنَّ الْمَأْخُوذَ مِنْ مَالِهِ عَيْنُ الْحَرَامِ فَلَا تَحْرُمُ مُبَايَعَتُهُ لِإِمْكَانِ الْحَلَالِ وَعَدَمِ التَّحْرِيمِ وَلَكِنْ يُكْرَهُ خَوْفًا مِنْ الْوُقُوعِ فِي الْحَرَامِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ ثُمَّ قَالَ: وَنُقِضَتْ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ بِالْمَسْأَلَةِ الْأُصُولِيَّةِ وَهِيَ جَوَازُ نَسْخِ الْقُرْآنِ بِخَبَرِ وَاحِدٍ وَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَمْ يُرَدْ بِالْيَقِينِ الْقَطْعُ بَلْ إنَّ الشَّيْءَ الثَّابِتَ بِشَيْءٍ لَا يَرْتَفِعُ إلَّا بِمِثْلِهِ، وَالنَّصُّ وَخَبَرُ الْوَاحِدِ سَوَاءٌ فِي وُجُوبِ الْعَمَلِ وَهُوَ كَافٍ فِي الْأَحْكَامِ كَذَا فِي قَوَاعِدِ الزَّرْكَشِيّ اهـ لَعَلَّ الْمُرَادَ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ هُوَ الْمَشْهُورُ وَقَوْلُهُ سَوَاءٌ فِي وُجُوبِ الْعَمَلِ مَنْظُورٌ فِيهِ فَيُعْرَفُ بِمُرَاجَعَةِ الْأُصُولِ (وَبِالْجُمْلَةِ) هِيَ لُبُّ الْمَقَالِ (أَنَّ الِاهْتِمَامَ فِي أَمْرِ الطَّهَارَةِ) وَالنَّجَاسَةِ (لَيْسَ مِنْ سُنَّةِ السَّلَفِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -) كَمَا تَرَى (فَمَنْ لَهُ طَبْعٌ مُسْتَقِيمٌ خَالٍ عَنْ الْوَسْوَسَةِ وَ) عَنْ (اسْتِعْدَادِهَا) بِالطَّبْعِ بِأَنْ خَلَقَ اللَّهُ - تَعَالَى - طَبْعَهُ آبِيًا عَنْ قَبُولِهِ (فَلَهُ أَنْ يَتَحَرَّى) أَيْ يَطْلُبَ (الْأَقْوَى وَالْأَحْوَطَ بِحَيْثُ لَا يَفُوتُ بِهِ أَهَمُّ مِنْهُ كَالْجَمَاعَةِ وَالتِّلَاوَةِ وَالذِّكْرِ) اللِّسَانِيِّ (وَالْفِكْرِ) الْجَنَانِيِّ كَمَا سَبَقَ تَفْصِيلُهُ (وَالتَّصْنِيفِ) وَيَجْتَنِبُ عَنْ الرُّخَصِ مَا أَمْكَنَ (وَأَمَّا الْمُوَسْوَسُ) مَنْ بِهِ وَسْوَسَةٌ بِالْفِعْلِ (وَالْمُسْتَعِدُّ لَهَا) أَيْ الْوَسْوَسَةِ بِالطَّبْعِ أَوْ بِمُقَارَنَةِ أَهْلِ الْوَسْوَسَةِ (فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَحَرَّى الرُّخْصَةَ وَالسَّعَةَ إلَى أَنْ يَنْقَطِعَ عَنْهُ احْتِمَالُ الْوَسْوَسَةِ) ثُمَّ يَعُودَ إلَى الْأَقْوَى وَالْأَحْوَطِ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ بِالرُّخَصِ إنَّمَا يَكُونُ لِإِزَالَةِ الْوَسْوَسَةِ فَإِذَا حَصَلَ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْعَمَلِ بِهَا كَمَا قِيلَ

[الْفَصْلُ الثَّانِي فِي التَّوَرُّع التَّكَلُّفِ فِي تَحْصِيلِ الْوَرَعِ]

(الْفَصْلُ الثَّانِي فِي التَّوَرُّعِ) التَّكَلُّفِ فِي تَحْصِيلِ الْوَرَعِ (وَالتَّوَقِّي) التَّحَفُّظِ (مِنْ طَعَامِ أَهْلِ الْوَظَائِفِ مِنْ الْأَوْقَافِ أَوْ) مِنْ (بَيْتِ الْمَالِ مَعَ اخْتِلَاطِ) هَذَا الْمُتَوَرِّعِ مَعَ (الْجَهَلَةِ وَالْعَوَامِّ وَأَكْلِ طَعَامِهِمْ) مَعَ أَنَّ الْأَوْلَى لَهُ أَنْ يَجْتَنِبَ عَنْ هَؤُلَاءِ (وَهَذَا) التَّوَرُّعُ (نَاشِئٌ مِنْ الْجَهْلِ) بِحَقِيقَةِ الْحَالِ (أَوْ) مِنْ (الرِّيَاءِ) فَيَتَجَنَّبُ لِيَرَى النَّاسُ أَنَّهُ وَرِعٌ (فَكَمَا أَنَّ الْكَسْبَ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالْإِجَارَةِ وَنَحْوِهَا) كَالزَّرْعِ وَأَنْوَاعِ الْحِرَفِ (إذَا رُوعِيَ فِيهَا شَرَائِطُ الشَّرْعِ حَلَالٌ) بَلْ (طَيِّبٌ كَذَلِكَ الْوَقْفُ إذَا صَحَّ وَرُوعِيَ) فِيهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>