فَإِذَا خَرَجَ نَزَعَ (فَلَمَّا مَضَى عَلَى ذَلِكَ زَمَانٌ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ) الْفِعْلِ (وَاسْتَغْفَرَ اللَّهَ - تَعَالَى - فَسُئِلَ عَنْ) سَبَبِ (ذَلِكَ) الِاسْتِغْفَارِ (فَقَالَ: أَحْدَثْت ذَنْبًا فَاسْتَغْفَرْته فَقِيلَ وَمَاذَا فَعَلْتَ؟ قَالَ: فَعَلْت شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ الصَّالِحُونَ، وَلَا خَيْرَ فِي الْبِدْعَةِ) يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ الْبِدْعَةَ لَيْسَ مَا يَفْعَلُهُ أَهْلُ الصَّلَاحِ، وَيَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ فِعْلِهِمْ صَرِيحُ إنْكَارِهِمْ لَعَلَّ لِهَذَا قَالَ (وَأَصْلُ هَذَا كُلِّهِ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «بُعِثْت بِالْحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ السَّهْلَةِ» فَشَرِيعَتُنَا حَنِيفِيَّةٌ أَيْ مَائِلَةٌ عَنْ كُلِّ دِينٍ بَاطِلٍ وَسَمْحَةٌ فِي بَابِ الْعَمَلِ «وَلَمْ أُبْعَثْ بِالرَّهْبَانِيَّةِ الصَّعْبَةِ» كَالْإِصْرِ وَالْأَغْلَالِ، وَفِي رِوَايَةٍ «وَمَنْ خَالَفَ سُنَّتِي» بِأَنْ شَدَّدَ وَأَتْعَبَ نَفْسَهُ وَتَرَهَّبَ «فَلَيْسَ مِنِّي» بِخِلَافِ مَبْعُوثِهِ مِنْ الرِّفْقِ وَاللِّينِ وَالْقِيَامِ بِالْحَقِّ وَالْمُسَاهَلَةِ مَعَ الْخَلْقِ وَالْيُسْرِ الَّذِي لَا حَرَجَ فِيهِ، وَاسْتُنْبِطَ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ قَاعِدَةُ الْمَشَقَّةُ تَجْلِبُ التَّيْسِيرَ
وَفِي الْجَامِعِ عَلَى تَخْرِيجِ أَحْمَدَ وَالْبُخَارِيِّ فِي الْأَدَبِ وَالطَّبَرَانِيِّ «أَحَبُّ الْأَدْيَانِ إلَى اللَّهِ - تَعَالَى - الْحَنِيفِيَّةُ قَالَ تَعَالَى - {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ} [الحج: ٧٨] » - السَّمْحَةُ السَّهْلَةُ الْمُنْقَادَةُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى الْمُسَلِّمَةُ أَمْرَهَا إلَيْهِ لَا تَتَوَجَّهُ إلَى شَيْءٍ مِنْ الْكَثَافَةِ وَالْغِلَظِ وَالْجُمُودِ الَّتِي يَلْزَمُ مِنْهَا الْعِصْيَانُ وَالسَّمَاجَةُ وَالطُّغْيَانُ قَالَ فِي الْأَشْبَاهِ: وَيَتَخَرَّجُ عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ جَمِيعُ رُخَصِ الشَّرْعِ وَتَخْفِيفَاتِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: ١٨٥]- {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: ٧٨]- ثُمَّ قِيلَ بِضَعْفِ الْحَدِيثِ فِي الْأَصْلِ حَتَّى قَالَ بَعْضٌ لَمْ أَجِدْ أَحَدًا وَثَّقَهُ لَكِنْ لَهُ طُرُقٌ ثَلَاثَةٌ لَيْسَ يَبْعُدَانِ لَا يَنْزِلُ بِسَبَبِهَا عَنْ دَرَجَةِ الْحَسَنِ (وَانْتَهَى) كَلَامُ الْخَبَّازِيِّ
[الصِّنْفُ الثَّانِي مَا ورد عَنْ أَئِمَّتنَا الْحَنَفِيَّة فِي عَدَمِ الدِّقَّةِ فِي أَمْرِ الطَّهَارَةِ]
(الصِّنْفُ الثَّانِي) مِنْ الصِّنْفَيْنِ (فِيمَا وَرَدَ عَنْ أَئِمَّتِنَا الْحَنَفِيَّةِ) الْوَارِدَةُ فِي حَقِّ عَدَمِ الدِّقَّةِ فِي أَمْرِ الطَّهَارَةِ هَذَا شُرُوعٌ فِي الْإِثْبَاتِ التَّقْلِيدِيِّ (فِي الْخُلَاصَةِ وَيُكْرَهُ) قِيلَ تَنْزِيهًا (لِلرَّجُلِ أَنْ يَسْتَخْلِصَ لِنَفْسِهِ إنَاءً يَتَوَضَّأُ مِنْهُ وَلَا يَتَوَضَّأُ بِهِ غَيْرُهُ) ؛ لِأَنَّ هَذَا بِدْعَةٌ لَيْسَ مِنْ سِيرَةِ السَّلَفِ الصَّالِحِينَ، وَكَذَا اسْتِخْلَاصُ سَجَّادَةٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ بِنِيَّةٍ صَحِيحَةٍ فَيَجُوزُ كَمَا فِي الْحَاشِيَةِ (وَفِيهِ) أَيْ فِي الْخُلَاصَةِ (التَّوَضُّؤُ فِي الْحَوْضِ) الَّذِي هُوَ عَشْرٌ فِي عَشْرٍ (أَفْضَلُ مِنْ التَّوَضُّؤِ فِي النَّهْرِ) ؛ لِأَنَّ التَّوَضُّؤَ فِي الْحَوْضِ مَعَ وُجُودِ النَّهْرِ مُشْعِرٌ بِعَدَمِ الدِّقَّةِ فِي أَمْرِ الطَّهَارَةِ فَهَذَا سِيرَةُ الْأَوَّلِينَ، وَأَمَّا الْعَكْسُ فَمُشْعِرٌ بِالْعَكْسِ، وَهُوَ بِدْعَةٌ وَكَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَعَلَّلَ بِقَوْلِهِ زَعْمًا لِلْمُعْتَزِلَةِ بِنَاءً عَلَى مَسْأَلَةِ الْجُزْءِ الَّذِي لَا يَتَجَزَّأُ يَعْنِي أَنَّ الْمَاءَ مُرَكَّبٌ مِنْ جَوْهَرٍ مُفْرَدٍ مُنْفَصِلٍ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَحِينَئِذٍ لَا يَلْزَمُ مِنْ نَجَاسَةِ جُزْءٍ نَجَاسَةُ جُزْءٍ آخَرَ إلَّا بِطَرِيقِ السِّرَايَةِ بِالْمُجَاوَرَةِ، وَفِي الْحَوْضِ الْكَبِير الَّذِي هُوَ مَحَلُّ النِّزَاعِ لَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ عَدَمُ سِرَايَةِ النَّجَسِ مِنْ طَرَفِ الْحَوْضِ إلَى الْآخِرِ وَقِيلَ عِنْدَ الْبَعْضِ يُكْرَهُ التَّوَضُّؤُ مِنْ النَّهْرِ؛ لِأَنَّهُ بِدْعَةٌ لَمْ يَفْعَلْهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالصَّحَابَةُ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَكْرُوهٍ؛ لِأَنَّ عَدَمَ فِعْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِعَدَمِ وُجُودِ النَّهْرِ، وَلَوْ وُجِدَ لَتَوَضَّأَ فَفِيهِ إذْنٌ دَلَالَةً، وَأَمَّا التَّوَضُّؤُ مِنْ الْحَوْضِ فَقَدْ صَدَرَ مِنْهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute