للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَامَ بِهِ الْأَدْنَى سَقَطَ عَنْ الْأَبْعَدِ وَإِلَّا يَأْثَمْ كُلُّ عَالِمٍ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ.

(مَسْأَلَةٌ) إذَا كَثُرَتْ الْمَنَاكِيرُ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى دَفْعِهَا لَا يَأْثَمُ بَعْدَ إنْكَارِهِ لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ حَزِينًا مُغْتَمًّا وَفِي الْحَدِيثِ «يَأْتِي عَلَى أُمَّتِي زَمَانٌ يَذُوبُ قَلْبُ الْمُؤْمِنِ كَمَا يَذُوبُ الْمِلْحُ فِي الْمَاءِ لِمَا يَرَى مِنْ الْمُنْكَرَاتِ وَلَكِنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى دَفْعِهِ» كَمَا فِي النِّصَابِ.

[الثَّامِنُ وَالْعِشْرُونَ غِلْظَةُ الْكَلَامِ وَالْعُنْفُ فِيهِ]

(الثَّامِنُ وَالْعِشْرُونَ غِلْظَةُ الْكَلَامِ وَالْعُنْفُ فِيهِ) أَيْ فِي الْكَلَامِ (وَهَتْكُ) أَيْ خَرْقُ (الْعِرْضِ لَا سِيَّمَا فِي الْمَلَأِ فِي غَيْرِ مَحِلِّهِ وَمَحِلُّهُ الْكَفَرَةُ) مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ (وَالْمُبْتَدِعَةُ وَالظَّلَمَةُ) .

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} [التوبة: ٧٣] (وَ) مَحِلُّ (النَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ إذَا لَمْ يَنْجَعْ) لَمْ يُؤَثِّرْ وَلَمْ يَنْفَعْ (الرِّفْقُ وَاللِّينُ) كَمَا قِيلَ لِكُلِّ مَقَامٍ مَقَالٌ وَلِكُلِّ مَيْدَانٍ رِجَالٌ (وَإِقَامَةُ الْحُدُودِ وَالتَّعْزِيرُ وَالتَّأْدِيبُ) لِأَهْلِهِ وَأَوْلَادِهِ وَتَلَامِذَتِهِ.

(قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} [التوبة: ٧٣] {وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً} [التوبة: ١٢٣] {وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا} [النور: ٢] أَيْ الزَّانِي وَالزَّانِيَةِ ( {رَأْفَةٌ} [النور: ٢] رَحْمَةٌ وَشَفَقَةٌ {فِي دِينِ اللَّهِ} [النور: ٢] فِي طَاعَتِهِ وَإِقَامَةِ حَدِّهِ فَتُعَطِّلُوهُ أَوْ تُسَامِحُوا فِيهِ وَلِذَلِكَ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَوْ سَرَقَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ لَقَطَعْت يَدَهَا» (وَفِيمَا عَدَاهَا) أَيْ الْمَذْكُورَاتِ (يُسْتَحَبُّ) طِيبُ الْكَلَامِ وَطَلَاقَةُ الْوَجْهِ وَالتَّبَسُّمُ.

(طب عَنْ الْمِقْدَادِ بْنِ شُرَيْحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّهُ قَالَ «قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ حَدِّثْنِي بِشَيْءٍ يُوجِبُ لِي الْجَنَّةَ» بِحَسَبِ عَادَتِهِ تَعَالَى لَا الِاسْتِحْقَاقِ الْعَقْلِيِّ الذَّاتِيِّ (قَالَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مُوجِبُ الْجَنَّةِ إطْعَامُ الطَّعَامِ» لِرِضَا الْمَلِكِ الْعَلَّامِ خُصُوصًا لِلْمَحَاوِيجِ مِنْ الْأَنَامِ «وَإِفْشَاءُ السَّلَامِ» لِكُلِّ مَنْ عَلِمَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ وَلَوْ عَدُوُّهُ الْإِسْلَامُ «وَحُسْنُ الْكَلَامِ» أَيْ السَّلَامُ عَنْ الْغِلْظَةِ وَكُلِّ مَا يُوجِبُ الْأَذَى (طب حك عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «فِي الْجَنَّةِ غُرْفَةٌ» أَيْ مَنْزِلٌ «يُرَى ظَاهِرُهَا مِنْ بَاطِنِهَا وَبَاطِنُهَا مِنْ ظَاهِرِهَا» لِكَمَالِ لَطَافَتِهَا وَغَايَةِ صَفَاءِ جُدْرَانِهَا «فَقَالَ أَبُو مَالِكٍ الْأَشْعَرِيُّ لِمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَنْ أَطَابَ الْكَلَامَ» وَفِي رِوَايَةٍ «لِمَنْ أَلَانَ» أَيْ لِمَنْ لَهُ خُلُقٌ طَيِّبٌ مَعَ النَّاسِ.

وَفِي الْجَامِعِ أَلَانَ الْكَلَامَ بَدَلُ أَطَابَ الْكَلَامَ قَالَ الطِّيبِيُّ جَعَلَ جَزَاءَ مَنْ تَلَطَّفَ فِي الْكَلَامِ الْغُرْفَةَ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ} [الفرقان: ٧٥]- {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا} [الفرقان: ٦٣]- الْآيَةَ وَفِيهِ إيذَانٌ بِأَنَّ لِينَ الْكَلَامِ مِنْ صِفَاتِ الصَّالِحِينَ الَّذِينَ خَضَعُوا لِبَارِئِهِمْ وَعَامَلُوا الْخَلْقَ بِالرِّفْقِ فِي الْفِعْلِ وَالْقَوْلِ «وَ» كَذَا جُعِلَتْ جَزَاءَ مَنْ «أَطْعَمَ الطَّعَامَ» كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا} [الفرقان: ٦٧] فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْجَوَادَ شَأْنُهُ تَوَخِّي الْقَصْدِ فِي الطَّعَامِ وَالْبَذْلِ لِيَكُونَ مِنْ عِبَادِ الرَّحْمَنِ وَأَلَّا يَكُونَ مِنْ إخْوَانِ الشَّيْطَانِ

<<  <  ج: ص:  >  >>