رَجُلًا الْقُرْآنَ فَأَهْدَى إلَيَّ قَوْسًا فَذَكَرْت ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَقَالَ إنْ أَخَذْتهَا أَخَذْت قَوْسًا مِنْ نَارٍ فَرَدَدْتهَا (وَكَمَنْ يُصَلِّي أَوْ يُهَلِّلُ فِي الْمَلَأِ) عِنْدَ النَّاسِ (لِمُجَرَّدِ إرَاءَةِ النَّاسِ) بِدُونِ طَلَبِ رِضَاهُ تَعَالَى وَثَوَابِهِ وَإِلَّا فَيَشْكُلُ كَوْنُهُ رِيَاءً وَلَيْسَ لَهُ قَصْدٌ فِي إرَاءَةِ النَّاسِ إلَّا (لِيَقْتَدُوهُ) يَقْتَدُوا بِهِ وَيَتْبَعُوهُ (وَيَتَعَلَّمُوا مِنْهُ كَيْفِيَّةَ الْعَمَلِ) إنْ كَانَ غَرَضُهُ مِنْ تَعَلُّمِهِمْ إرْشَادَهُ إيَّاهُمْ الْحَقَّ أَوْ طَرِيقَ أَمْرِ الْمَعْرُوفِ أَوْ التَّخَلُّصِ مِنْ وِزْرِ عَدَمِ التَّعْلِيمِ إيَّاهُمْ فَالظَّاهِرُ عَدَمُ الرِّيَاءِ وَقَدْ قُرِّرَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ الْعَمَلُ، وَإِنْ كَانَ الْأَوْلَى ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي غَرَضِهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَظَاهِرٌ فِي كَوْنِهِ رِيَاءً لَكِنْ قَوْلُهُ (وَيَصِيرُ سَبَبًا لِطَاعَتِهِمْ) لَا يُلَائِمُهُ (وَلَوْ لَمْ يَرَهُ النَّاسُ) يَعْنِي لَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَلَأِ (لَمْ يَفْعَلْ) لِكَوْنِ غَرَضِهِ مُجَرَّدَ الْإِرَاءَةِ وَقَدْ فَاتَ (وَهَذَا أَيْضًا رِيَاءُ) أَهْلِ الدِّينِ قِيلَ إلَّا أَنَّهُ وَسِيلَةُ الْخَيْرِ فَفِيهِ تَأَمُّلٌ.
(بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ قَصَدَ الِاقْتِدَاءَ بَاعِثًا عَلَى مُجَرَّدِ الْإِظْهَارِ) يَعْنِي يَأْتِي فِي خَلْوَتِهِ لَكِنْ مَقْصُودُهُ مِنْ الْإِظْهَارِ هُوَ الِاقْتِدَاءُ (لَا الْإِحْدَاثُ) بِحَيْثُ لَا يَأْتِي فِي السِّرِّ أَيْ فِي خَلْوَتِهِ كَمَا فِي الْأَوَّلِ فَالْفَرْقُ بَيْنَ الْإِظْهَارِ وَالْإِحْدَاثِ بِالْإِتْيَانِ فِي الْخَلْوَةِ وَالْإِيجَادِ ابْتِدَاءً عِنْدَ النَّاسِ بِدُونِ إتْيَانِهِ فِي الْخَلْوَةِ (فَإِنَّهُ لَيْسَ بِرِيَاءٍ) ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ مَوْجُودٌ لَوْلَا قَصْدُ الِاقْتِدَاءِ (بَلْ هُوَ) حِينَئِذٍ (مُسْتَحَبٌّ) ؛ لِأَنَّ فِيهِ عَمَلًا لِنَفْسِهِ وَتَعْلِيمًا لِغَيْرِهِ بَلْ قَدْ يَجِبُ (وَرِيَاءُ أَهْلِ الدُّنْيَا) فِي هَذَا النَّوْعِ (بِإِظْهَارِ الشَّجَاعَةِ وَنَحْوِهَا) كَالْجُودِ وَالْكَرَمِ (لِيَصِلَ إلَى وِلَايَةٍ) وَإِمَارَةٍ وَتَوْلِيَةٍ وَقَضَاءٍ وَنَحْوِهَا (لِيُنَفِّذَ أَحْكَامَ الشَّرْعِ) ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ نَافِذُ الْكَلِمِ وَمُطَاعُ الْأَمْرِ (وَيُصْلِحُ النَّاسَ) بِالْمُصَالَحَةِ وَدَفْعِ الْمَفْسَدَةِ (وَيَرْفَعُ الظُّلْمَ وَالْمُنْكَرَاتِ) .
[الْمَبْحَثُ الرَّابِعُ فِي الرِّيَاءِ الْخَفِيِّ]
(الْمَبْحَثُ الرَّابِعُ) مِنْ السَّبْعَةِ (فِي الرِّيَاءِ الْخَفِيِّ) فَلَا يُنْتَبَهُ لَهُ إلَّا بِنَظَرٍ دَقِيقٍ وَتَأَمُّلٍ حَقِيقِيٍّ إذْ لَا يُدْرِكُهُ إلَّا الْخَاصَّةُ (وَعَلَامَاتُهُ) الدَّالَّةُ عَلَى وُجُودِهِ (اعْلَمْ أَنَّ الرِّيَاءَ قَدْ يَكُونُ خَفِيًّا) كَمَا قَدْ يَكُونُ جَلِيًّا كَمَا فِيمَا تَقَدَّمَ مُنْتَهِيًا (إلَى أَنْ يَكُونَ أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ) أَيْ صَوْتِ حَرَكَةِ مَشْيِهَا عَلَى حَجَرٍ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهُ لَا يَسْهُلُ حِسُّهُ لِكَمَالِ لُطْفِهِ فَإِذَا كَانَ خَفِيًّا لَا يُدْرِكُ بِالْحِسِّ فَيَكُونُ إدْرَاكُهُ بِالِاسْتِدْلَالِ (فَتَحْتَاجُ) قِيلَ بِالْفَوْقِيَّةِ وَقِيلَ بِالتَّحْتِيَّةِ (فِي مَعْرِفَتِهِ إلَى عَلَامَاتٍ) وَأَمَارَاتٍ لِتَسْتَدِلَّ بِهَا (مِنْهَا أَنَّ يُسْرَ) الْعَابِدِ (بِاطِّلَاعِ النَّاسِ عَلَى طَاعَتِهِ وَمَدْحِهِمْ) لَهُ قُرْبُ عَبْدٍ يُخْلِصُ فِي عَمَلِهِ وَلَا يَعْتَقِدُ الرِّيَاءَ بَلْ يَكْرَهُهُ وَيَرُدُّهُ وَيُتَمِّمُ الْعَمَلَ كَذَلِكَ، وَلَكِنْ إذَا اطَّلَعَ النَّاسُ عَلَيْهِ سَرَّهُ ذَلِكَ وَهَذَا السُّرُورُ يَدُلُّ عَلَى رِيَاءٍ خَفِيٍّ مِنْهُ إذْ لَوْلَا الْتِفَاتُ الْقَلْبِ إلَى النَّاسِ لَمَا ظَهَرَ سُرُورُهُ عِنْدَ اطِّلَاعِ النَّاسِ فَلَقَدْ كَانَ الرِّيَاءُ مُسْتَكِنًّا فِي الْقَلْبِ اسْتِكْنَانَ النَّارِ فِي الْحَجَرِ.
كَذَا قِيلَ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ الِاطِّلَاعُ وَالسُّرُورُ لَكِنْ إذَا كَانَ بِحَالٍ لَوْ اطَّلَعَ لِسِرٍّ فَيَكُونُ رِيَاءً (مِنْ غَيْرِ أَنْ يُلَاحِظَ اقْتِدَاءَ غَيْرِهِ بِهِ) يَعْنِي مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ سَبَبُ مَسَرَّتِهِ اقْتِدَاءَ غَيْرِهِ بِهِ فِي تِلْكَ الطَّاعَةِ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَتَضَاعَفُ الْأَجْرُ لِكَوْنِهِ عِبَادَةً مُتَعَدِّيَةً فَلَهُ أَجْرُ عَمَلِهِ وَأَجْرُ عَمَلِ مَنْ اقْتَدَى بِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ (أَوْ) مِنْ غَيْرِ أَنْ يُلَاحَظَ (إطَاعَتُهُمْ لِلَّهِ تَعَالَى فِي مَدْحِهِمْ) لَهُ (وَمَحَبَّتِهِمْ لِلْمُطِيعِ) إذْ مَدْحُ الْمُطِيعِ وَمَحَبَّتُهُ طَاعَةٌ فَسَبَبُ مَسَرَّتِهِ حِينَئِذٍ كَوْنُهُمْ فِي طَاعَتِهِ تَعَالَى بِمَدْحِهِمْ وَالْحَالُ أَنَّ الْحَسَدَ وَالْحَمْلَ عَلَى الرِّيَاءِ وَالذَّمِّ مِنْ الْأَقْرَانِ فِي أَمْثَالِهِ شَائِعٌ وَيُتَوَقَّعُ (أَوْ) مِنْ غَيْرِ أَنْ (يُسْتَدَلَّ بِهِ) بِاطِّلَاعِ النَّاسِ وَمَدْحِهِمْ لَهُ (عَلَى حُسْنِ صُنْعِ اللَّهِ تَعَالَى وَ) حُسْنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute