للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلَى الْمُدَارَاةِ، وَأَلْجَأَك إلَى الِاعْتِذَارِ. وَقِيلَ مَنْ جَلَسَ عَلَى دُكَّانِ الْعَطَّارِ لَمْ يَفْقِدْ الرَّائِحَةَ الطَّيِّبَةَ (وَالِاحْتِرَازُ عَنْ مُصَاحَبَةِ الْفُسَّاقِ) فَإِنَّهُمْ لَا يَخَافُونَ اللَّهَ وَمَنْ لَا يَخَافُ اللَّهَ لَا تُؤْمَنُ غَائِلَتُهُ، وَلَا يُوثَقُ بِصَدَاقَتِهِ بَلْ يَتَغَيَّرُ بِتَغَيُّرِ الْأَعْرَاضِ، وَأَنَّ فِي صُحْبَتِهِمْ خَطَرَ سِرَايَةِ الْبِدْعَةِ وَالْفِسْقِ وَهُوَ مُسْتَحِقٌّ لِلْقَطِيعَةِ فَكَيْفَ الصُّحْبَةُ (وَالْمُدَاهِنِينَ وَالضُّعَفَاءِ فِي الدِّينِ فَعَلَيْك بِالتَّشَمُّرِ وَالسَّعْيِ الْبَلِيغِ فِي إزَالَةِ صِفَةِ الْإِسْرَافِ فَإِنَّهُ خُلْقٌ) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ (ذَمِيمٌ قَبِيحٌ جِدًّا وَمَرَضٌ مُدْمِنٌ) أَيْ مُهْلِكٌ قَدْ لَا يُفَارِقُ مَنْ قَامَ بِهِ (عَسِيرُ الْعِلَاجِ) أَيْ قَوِيٌّ (إلَّا أَنْ يَتَدَارَكَ اللَّهَ تَعَالَى بِتَوْفِيقِهِ فَإِنَّهُ مُيَسِّرٌ كُلَّ عَسِيرٍ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ) .

[الثَّالِثُ وَالثَّلَاثُونَ مِنْ الْأَخْلَاقِ الذَّمِيمَةِ الْعَجَلَةُ]

(الثَّالِثُ وَالثَّلَاثُونَ) مِنْ الْأَخْلَاقِ الذَّمِيمَةِ (الْعَجَلَةُ) ، وَهِيَ عَنْ الْمَوْلَى الْمُحَشِّي ثَلَاثٌ: الْعَجَلَةُ فِي حُصُولِ الْمَرَامِ بِسُرْعَةٍ قَبْلَ وَقْتِهِ كَمَنْ يُرِيدُ حِفْظَ الْقُرْآنِ وَيُعَجِّلُ فِي حُصُولِهِ، وَفِي شُرُوعِ عَمَلٍ بِمُجَرَّدِ خُطُورِهِ فِي قَلْبِهِ بِلَا تَأَمُّلٍ فِي أَنَّ لَهُ فِيهِ رُشْدًا وَصَلَاحًا أَوْ لَا كَمَنْ يَرَى رَجُلًا يَقِفُ دَرَاهِمَ لِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فَيُعَجِّلُ بِمِثْلِهِ بِلَا طَلَبٍ وَتَفْتِيشٍ مِنْ عُلَمَاءِ الْآخِرَةِ. وَقِسْمٌ فِي إتْمَامِ الْعَمَلِ بِدُونِ تَوْفِيَةِ حَقِّهِ كَمَنْ يَشْرَعُ فِي الصَّلَاةِ أَوْ التِّلَاوَةِ فَيُعَجِّلُ فِي الْإِتْمَامِ بِدُونِ تَوْفِيَةِ كُلِّ جُزْءٍ حَقَّهُ بِعَدَمِ رِعَايَةِ الْآدَابِ وَكَذَا التَّجْوِيدُ فِي الْقُرْآنِ، وَفَصَّلَ الْمُصَنِّفُ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: (وَهِيَ) الْعَجَلَةُ (الْمَعْنَى الرَّاتِبُ) أَيْ الثَّابِتُ (فِي الْقَلْبِ الْبَاعِثُ عَلَى) إرَادَةِ (حُصُولِ الْمَرَامِ بِسُرْعَةٍ أَوْ) الْبَاعِثُ عَلَى الْإِقْدَامِ عَلَى شَيْءٍ بِأَوَّلِ خَاطِرٍ (دُونَ تَأَمُّلٍ وَاسْتِطْلَاعٍ وَنَظَرٍ بَالِغٍ) فِي عَاقِبَتِهِ (أَوْ) الْبَاعِثُ (عَلَى الْإِتْمَامِ بِدُونِ تَوْفِيَةِ كُلِّ جُزْءٍ حَقَّهُ) فَلِلْعَجَلَةِ أَقْسَامٌ مَذْكُورَةٌ.

(وَضِدُّ الْعَجَلَةِ مُطْلَقًا الْأَنَاةُ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ يُقَالُ تَأَنَّيْت فِي هَذَا الْأَمْرِ أَيْ تَمَكَّثْت فِيهِ، وَلَمْ أُعَجِّلْ (وَضِدُّ الْأَوَّلِ) ، وَهُوَ الْبَاعِثُ عَلَى حُصُولِ الْمَرَامِ بِسُرْعَةٍ (حُسْنُ الِانْتِظَارِ) أَيْ الِانْتِظَارُ بِارْتِيَاحٍ وَسَعَةِ خَاطِرٍ إلَى وَقْتِ حُصُولِهِ (وَضِدُّ الثَّانِي) وَهُوَ الْبَاعِثُ عَلَى الْإِقْدَامِ بِأَوَّلِ خَاطِرٍ (التَّوَقُّفُ وَالتَّثَبُّتُ) أَيْ التَّرَوِّي فِي ذَلِكَ (حَتَّى يَسْتَبِينَ لَهُ رُشْدُهُ) فِي الْأَمْرِ الَّذِي يُرِيدُ الْإِقْدَامَ عَلَيْهِ (وَضِدُّهُ) أَيْ خَطَؤُهُ (وَضِدُّ الثَّالِثِ) ، وَهُوَ الْبَاعِثُ عَلَى إتْمَامِ الشَّيْءِ قَبْلَ تَوْفِيَةِ الْأَجْزَاءِ حُقُوقَهَا (التَّأَنِّي وَالتُّؤَدَةُ) بِضَمٍّ فَفَتْحٍ أَوْ فَسُكُونٍ مَشْيٌ ثَقِيلٌ يُقَالُ اتَّأَدَ فِي أَمْرِهِ إذَا تَرَفَّقَ، وَلَمْ يُعَجِّلْ فِيهِ (حَتَّى يُؤَدِّيَ لِكُلِّ جُزْءٍ حَقَّهُ) اللَّائِقَ بِهِ مِنْ غَيْرِ قُصُورٍ وَنُقْصَانٍ.

(قَالَ اللَّهُ تَعَالَى) هَذَا شُرُوعٌ فِي إثْبَاتِ مَذْمُومِيَّةِ الْعَجَلَةِ مُطْلَقًا وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِالْآيَتَيْنِ أَنَّ النَّهْيَ وَالذَّمَّ يَقْتَضِيَانِ قُبْحَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>